فأما بدؤ الأذان فخرج البخاري (1) ومسلم (2) والنسائي (3) والترمذي (4) وقاسم بن أصبغ من حديث ابن جريج قال: أخبرني نافع مولى ابن عمر عن عبد الله
(١) (فتح الباري): ٢ / ٩٩ (كتاب الأذان) باب (١) حديث رقم (٦٠٤).
(فائدتان): (الأولى) وردت أحاديث تدل على أن الأذان شرع بمكة قبل الهجرة منها للطبراني من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: لما أسرى بالنبي صلى الله عليه وسلم أوحى الله إليه الأذان فنزل به فعلمه به فعلمه بلالا وفي إسناده طلحة بن زيد وهو متروك وللدارقطني في (الأطراق) من حديث أنس أن جبريل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأذان حين فرضت الصلاة و إسناده ضعيف أيضا. ولابن مردويه من حديث عائشة مرفوعا: لما أسرى بي أذن جبريل فظنت الملائكة أنه يصلي بهم فقدمني فصليت وفيه من لا يعرف. وللبزار وغيره من حديث علي قال: لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان أتاه جبريل بدابة يقال لها البراق فركبها فذكر الحديث وفيه: إذ خرج ملك من وراء الحجاب فقال: الله أكبر الله أكبر وفي آخره: ثم أخذ الملك بيده فأم بأهل السماء وفي إسناده زياد بن المنذرأبو الجارود وهو متروك أيضا ويكمن على تقدير الصحة أن يحمل على تعدد الإسراء فيكون ذلك وقع بالمدينة وإما قول القرطبي: لا يلزم من كونه سمعه ليلة الإسراء أن يكون مشروعا في حقه ففيه نظر لقوله في أوله: لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان وكذا قول المحب الطبري يحمل الأذان ليلة الإسراء على معنى اللغوي وهو الإعلام ففيه نظر أيضا والحق أنه لا يصلح شئ من هذه الأحاديث.
وقد جزم ابن المنذر بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بغير أذان منذ فرضت الصلاةبمكة إلى أن هاجر إلى المدينة وإلى أن وقع التشاور في ذلك على ما في حديث عبد الله بن عمر ثم حديث عبد الله ابن زيد انتهى. وقد حاول السهيلي الجمع بينهما فتلكف وتعسف والأخذ بما صح أولى فقال بانيا على صحة الحكمة في مجئ الأذان على لسان الصحابي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمعه فوق سبع سماوات وهو أقوى من الوحي فلما تأخر الأمر بالأذان عن فرض الصلاة وأراد إعلامهم بالوقت فرأى الصحابي المنام فقصها فوافقت ما كان النبي صلى الله عليه وسلم سمعه فقال: إنها لرؤيا حق وعلم حينئذ أن مراد الله بما أراه في السماء أن يكون سنة في الأرض وتقوى ذلك بموافقة عمر لأن السكينة تنطلق على لسانه والحكمة أيضا في إعلام الناس به على غير لسانه صلى الله عليه وسلم التنويه بقدره والرفع لذكره بلسان غيره ليكون أقوى لأمره وأفخم لشأنه. انتهى ملخصا.
والثاني حسن بديع يؤخذ منه عدم الاكتفاء برؤيا عبد الله بن زيد حتى أضيف عمر للتقوية التي ذكرها لكن قد يقال: فلم لا اقتصر على عمر؟ فيمكن أن يجاب ليصير في معنى الشهادة وقد جاءني رواية ضعيفة سبقت ما ظاهره أن بلالا أيضا رأى لكنها مؤولة فإن لفظة سبقك بها بلال فيحمل المراد بالسبق على مباشرة التأذين برؤيا عبد الله زيد.
ومما كثر السؤال عنه باشر النبي صلى الله عليه وسلمالأذان بنفسه وقد وقع عند السهيلي أن النبي صلى الله عليه وسلم إذن في سفر وصلى بأصحابه وهم على رواحلهم السماء من فوقهم والبلة من أسفلهم أخرجه الترمذي من طريق تدور على عمر بن الرماح برفعه إلى أبي هريرة وليس هو من حديث أبي هريرة وإنما هو من حديث يعلى بن مرة وكذا جزم النووي بأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن مرة في السفر وعزاه للترمذي وقواه ولكن وجدناه في مسند أحمد من الوجه الذي أخرجه الترمذي ولفظه فأمر بلالا فأذن فعرف أن في رواية الترمذي اختصارا وأن معنى قوله: إذن أمر بلالا به كما يقال أعطى الخليفة العالم الفلاني ألفا وإنما باشر العطاء غيره ونسب للخليفة لكونه أمرا به ومن أغرب ما وقع في بدء الأذان ما رواه أبو الشيخ بسند فيه مجهول عن عبد الله بن الزبير قال: أخذ الأذان من أذان إبراهيم (وأذن في الناس بالحج) الآية قال: فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما رواه أبو نعيم في الحلية بسند فيه مجاهيل إن جبريل أمر بالأذان لآدم: أهبط من الجنة.
(الفائدة الثانية) قال الزبير بن المنبر: أعرض البخاري عن التصريح يحكم الأذان لعدم إفصاح الآثار الواردة فيه عن حكم معين فأثبت مشروعيته وسلم من الاعتراض وقد اختلف في ذلك ومنشأ الخلاف أن مبدأ الأذان لما كان عن مشورة أوقعها النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه حتى استقر برؤيا كان ذلك بالمندوبات أشبه ثم لما واظب على تقريره ولم ينقل إنه تركه ولا أمر بتركه ولا رخص في تركه كان ذلك بالواجبات أشبه انتهى. وسيأتي بقية الكلام على ذلك قريبا إن شاء الله تعالى.
قوله: (حدثنا عبد الوارث) هو ابن سعيد وخالد هو الحذاء كما ثبت في رواية كريمة والإسناد كله يصربون.
قوله: (ذكروا النار والناقوس فذكروا اليهود والنصارى) كذا ساقه عبد الوارث مختصرا ورواية عبد الوهاب الآتية في الباب الذي بعده أوضح قليلا حيث قال: لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشئ يعرفونه فذكروا أن يوروا نارا أو يضربوا ناقوسا وأوضح من ذلك رواية روح بن عطاء عن خالد عند أبي الشيخ ولفظه فقالوا لو اتخذنا ناقوسا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك للنصارى. فقالوا: لو اتخذنا بوقا فقال: ذاك لليهود.
فقال: لو رفعنا نارا فقال: ذاك للمجوس فعلى هذا ففي رواية عبد الوارث اختصار كأنه كان فيه: ذكروا النار والناقوس والبوق فذكروا اليهود والنصارى والمجوس واللف والنشر فيه معكوس فالنار للمجوس والناقوس للنصارى والبوق لليهود وسيأتي في حديث ابن عمر التنصيصي على أن البوق لليهود. وقال الكرماني: يحتمل أن تكون النار والبوق جميعا لليهود جمعا بين حديثي أنس وابن عمر انتهى ورواية روح تغني عن هذا الاحتمال.
(٢) (مسلم بشرح النووي): ٤ / ٣١٧ - ٣١٩ كتاب الصلاة باب (١) بدء الأذان حديث رقم (٣٧٧) قال الإمام النووي: قال أهل اللغة: الأذانالإعلام قال الله تعالى: (وأذن من الله ورسوله) وقال تعالى: (فأذن مؤذن) ويقال الآذان والتأذين والأذان. وقوله (كان المسلمون يجتمعون فيتحينون الصلاة) قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: معنى يتحينون يقدرون حينها ليأتوا إليها فيه والحين الوقت من الزمان. قوله (فقال بعضهم اتخذوا ناقوسا) قال أهل اللغة هو الذي يضرب به النصارى لأوقات صلواتهم وجمعه نواقيس والنقس ضرب الناقوس.
قوله (كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة وليس ينادي بها أحد فتكلموا يوما في ذلك فقال بعضهم اتخذوا ناقوسا وقال بعضهم قرنا فقال عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه أولا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا بلال فناد بالصلاة في هذا الحديث فوائد منها منقبة عظيمة لعمر بن الخطاب رضي الله تبارك وتعالى عنه.
وذكر ابن جريح أخبرني نافع مولى ابن عمر عن عبد الله بن عمر أنه قال كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلوات وليس ينادي أحد فتكلموا يوما في ذلك فقال بعضهم اتخذوا ناقوسا مثل النصارى وقال بعضهم قرنا مثل قرن اليهود فقال عمر أولا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بلال قم فناد بالصلاة. (شرح النووي).
(3) (سنن النسائي) 2 / 329 كتاب الأذان باب (1) بدء الأذان حديث رقم (625).
(4) (سنن الترمذي) 1 / 362 - 363 أبواب الصلاة باب (25) ما جاء في بدء الأذان حديث رقم (190) وقال هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن عمر.