السابعة والخمسون أنه كان صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى وعدها ابن الفارض (1) من خواصه وقد تقدم هذا (2)
(١) هو الشرف ابن الفارض أبو حفص وأبو القاسم عمر بن أبي الحسن علي بن المرشد بن علي الحموي الأصل المصري المولد والدار والوفاة المعروف بابن الفارض المنعوت بالشرف.
له ديوان شعر لطيف وأسلوبه فيه رائق ظريف ينحو منحى طريقة الفقراء وله قصيدة مقدار ستمائة بيت على اصطلاحهم ومنحهم.
قال ابن خلكان وسمعت أنه كان رجلا صالحا كثير الخير على قدم التجرد جاور بمكة زادها الله تعالى شرفا زمانا وكان حسن الصحبة محمود العشرة أخبرني عنه بعض أصحابه أنه ترنم يوما وهو في بيت الحريري صاحب (المقامات).
وكانت ولادته في الرابع من ذي القعدة سنة ست وسبعين وخمسمائة بالقاهرة وتوفي بها يوم الثلاثاء الثاني من جمادى الأولى سنة اثنتين وثلاثين وستمائة ودفن من الغد بسفح المقطم رحمه الله تعالى والفارض بفتح الفاء وبعد الألف راء وبعدها ضاد معجمة وهو الذي يكتب الفروض للنساء على الرجال له ترجمه في (وفيات الأعيان) ٣ / ٤٥ - ٤٥٦ ترجمة رقم (٥٠٠) (ميزان الاعتدال) ٢ / ٢٦٦ ترجمة رقم (٦١١٠) سير أعلام النبلاء) ٢٢ / ٣٦٨ - ٣٦٩ ترجمة (٢٣٢) لسان الميزان: ٤ / ٣٦٤ - ٣٦٦، شذرات الذهب: ٥ / ١٤٩ - ١٥٣.
(٢) الهوى: ميل النفس إلى ما تحبه أو تحب أن تفعله دون أن يقتضيه العقل السليم الحكيم ولذلك يختلف الناس في الهوى ولا يختلفون في الحق وقد يحب المرء الحق والصواب فالمراد بالهوى إذا أطلق أنه الهوى المجرد عن الدليل.
ونفي النطق عن الهوى يقتضي نفي جنس ما ينطق به عن الاتصاف بالصدور عن هوى سواء كان القرآن أو غيره من الارشاد النبوي بالتعليم والخطابة والموعظة والحكمة ولكنه القرآن هو المقصود لأنه سبب هذا الرد عليهم.
واعلم أن تنزيهه صلى الله عليه وسلم عن النطق عن هوى يقتضي التنزيه على أن يفعل أو يحكم عن هوى لأن التنزه عن النطق عن هوى أعظم مراتب الحكمة ولذلك ورد في صفة النبي صلى الله عليه وسلم:
أنه يمزح ولا يقول إلا حقا.
وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم ينطق بغير القرآن عن وحي كما في حديث الحديبية في جوابه الذي سأله ما يفعل المعتمر؟ وكقوله إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها ومثل جميع الأحاديث القدسية التي فيها قال الله تعالى ونحوه.
فهذه الآية بمعزل عن إيرادها في الاحتجاج لجواز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم لأنها كان نزولها في أول أمر الإسلام وإن كان الأصح أن يجوز له صلى الله عليه وسلم الاجتهاد وأنه وقع منه وهي من مسائل أصول الفقه (تفسير التحرير والتنوير) 27 / 93 - 94.