قلت: بل التتبع شاهد بخلافه كما لا يخفى على من لاحظ القواعد، وجامع المقاصد في باب الحجر، مضافا إلى عدم اقتضاء الأدلة الفرق بين المستوعب والمقابل للدين من غيره، نعم في الزائد ما سمعته من البحث السابق فلاحظ وتأمل، ولو كان على الميت عهدة كما لو كان قد حفر بئرا في طريق المسلمين عدوانا فتردى فيه بعد موته، أو كان قد سرت جنايته كذلك، ولم نقل بالكشف بها عن شغل ذمته قبل الموت، أورد مبيعه بالعيب بعد أن أتلف هو الثمن مثلا، فإن لم يكن قد تصرف الوارث بالتركة وجب الأداء منها، بلا خلاف أجده فيه، كما أنه لا أجده أيضا في انتقال التركة هنا إلى ملك الوارث قبل حدوث الضمان، وإن كان السبب متقدما، ضرورة عدم اقتضاء تقدمه بقاء التركة على حكم ماله، لعدم تحقق الدين حينئذ.
اللهم إلا أن يدعى الكشف ولا دليل عليه، إذ وجوب الأداء منها أعم من ذلك بل ينبغي الجزم به بناء على المختار من انتقالها إلى الوارث مع الدين المحقق فعلا فضلا عما نحن فيه، وإن كان قد تصرف فيها الوارث ببيع ونحوه ففي القواعد " احتمل فساد التصرف لتقدم سبب البلدين، فأشبه الدين المقارن، وعدمه، فإن ادعى الوارث الدين وإلا فسخ التصرف "، وكأنه بنى الأول على كون التعلق تعلق رهانة وقد عرفت ما فيه سابقا.
مع أنه لو سلم في الدين المقارن أمكن منعه هنا، للأصل، وتقدم السبب لا يقتضي تقدم المسبب، وأقصى العهدة تعلق الدين الحادث بالتركة، لا منع الوارث من التصرف، ودعوى حدوث البطلان بحدوثه محتاجة إلى دليل، فلا ريب أن الأصح الاحتمال الثاني على هذا التقدير، فضلا عن المختار، بل إن لم يقم اجماع على تسلطه على الفسخ إن لم يؤد الدين الوارث أمكن منعه، للأصل ولكن يقوى حينئذ تعلق الدين بالعوض لكونه بدل المال ذي العهدة.
اللهم إلا أن يقال: إنها كالدين في التسلط على الخيار الذي منشؤه فيهما تضرر الغريم، وأن له حقا في الجملة، ومنه حينئذ يتوجه ضمان الوارث لو فرض أن تصرفه كان بإتلاف للمال من غير معاوضة، كأن يكون طعاما فأكله، أو ثوبا فلبسه، أو وهبه مجانا أو نحو ذلك فتأمل جيدا والله أعلم.