ولا من بعيد، ولا هو بدافع شيئا من التهم التي رمى بها على مد الزمن من لدن الصحابة إلى اليوم وإلى أن يشاء الله.
وإذا كان مولانا الشيخ قد دفعه الغلو في تقدير عمل تلميذه حتى قال:
" إنه تتبع ما أثير من شبهات حول شخص أبي هريرة وعلمه فأزالها، وجلى صفحته نقية طاهرة " فإنا نقول للشيخ في صراحة وصدق، كما قلنا لولده من قبل، إن صفحة أبو هريرة لا ينقيها ولا يطهرها كتاب العجاج ولا ألف كتاب مثله، وإنما الذي يطهرها وينقيها، هو أحد أمرين لا ثالث لهما، وأم المنطق لم تلد غيرهما! فإما أن تجردوا كتب الحديث كلها مما فيها من الأحاديث التي رواها أبو هريرة وفيها ما فيها من المشكلات والخرافات التي تفضحنا عند سائر الأمم - مثل حديث (خلق الله التربة يوم السبت) الذي تكلمنا عنه آنفا - وحديث لطمة موسى لملك الموت ففقأ عينه، فصعد الملك إلى الله ليشكو موسى!
وحديث نزول الأنهار الأربعة من الجنة سيحون وجيحون والنيل والفرات - وهي أسطورة هندية قديمة، وحديث غمس الذباب في الاناء ثم يؤكل ما فيه بعد ذلك، وغير ذلك مما ذكرنا منها أمثلة كثيرة في كتابنا (شيخ المضيرة) تلك الأحاديث التي يعروني الخجل من الناس عندما أنقلها إليهم - إما ذلك، وإما أن تثبتوا أن جميع من رووا عنه قد كذبوا عليه، وأن الرجل في نفسه برئ مما نسب إليه!
بذلك وحده لا بغيره يصبح شخص أبي هريرة نقيا طاهرا، أما مضغ الكلام وعلك الحديث، وتأليف الكتب وتقريظها، فهذا كله لا ينفع ولا يفيد بل يذهب كله هباء.
وإلى اللقاء يا مولانا الشيخ عندما تظهر الطبعة الثانية (1) من كتابنا (شيخ المضيرة) إن شاء الله التي سأهدي إليك وإلى الشيخ على حسب الله نسخة منه لكي تعرفا منه تاريخ هذا الصحابي على حقيقته، وترون كيف يكون التأليف العلمي الصحيح، ومدى معاناة البحث عن الحقائق وتمحيص لاخبار، مما لا يمكن احتماله أو الصبر عليه إلا بعد اطراح العواطف والأهواء، والتخلص من الجمود وتقليد الآباء، والسلام على من اتبع الهدى.
القاهرة محمود أبو رية