مهما كان فيها مما يستوجب الطعن، وقد أصبحت هذه (البدعة) سنة متبعة، بل قاعدة من قواعد علم الأصول، من خرج عليها، ولم يأخذ بها رمى بالمروق والزندقة.
ولقد كان لهذه (البدعة) أثرها وخطرها على عقائد الدين وأحكامه وآدابه ومبادئه وأوصدت الأبواب أمام الباحثين في تاريخ الصحابة ونقد مروياتهم ومنعتهم من أن يتولوهم بالدراسة التحليلية المتبعة في ترجمة الرجال والبحث عن حقيقة آثارهم لان بساطهم قد طوى بزعمهم كأنهم ليسوا أناسي بل هم طبقة فوق ذلك خلقهم الله منزهين عن الخطأ والنسيان والوهم - ولولا هذه البدعة التي تحرم بها أبو هريرة لكان أكبر من توجه إليه سهام النقد والتجريح، إن في شخصه وإن في رواياته! ولأنه أصبح آمنا من كل نقد أرخى لنفسه العنان في أن يتحدث بما يشاء بغير أن يخشى أحدا، وأمعن في الرواية حتى طمى سيلها، وعلا مدها، وزخرت كتب الحديث بالألوف المؤلفة منها، برغم ما بيناه في محله من كتابنا هذا من أنه لم يصاحب النبي إلا عاما وبعض عام - ومما يدعو إلى الأسى أن تجد هذه المرويات من يدافعون عنها على ما فيها من مشكلات وخرافات وما يخالف العلم، أو يصادم العقل، أو يقف في سبيل أغراض الدعوة الاسلامية التي قام أساسها على إسعاد الانسان ورقى العمران، وأنها صالحة لكل زمان ومكان.
وإذا كنا هنا لا نستطيع أن نتوسع في بيان الضرر الذي نجم عن الاخذ بعدالة الصحابة بعد أن كسرنا لذلك فصلا برأسه في كتابنا الأضواء، فإنا نقتصر هنا على إيراد كلمة قيمة وجيزة تفصح عما كان من أثر ضار في روايات أبي هريرة خاصة، ولولاها لبدا أمر هذا الصحابي على غير ما يفهم الجمهور، وهذه الكلمة ليست لنا حتى لا يقال إننا قد جئنا بها لنعزز ما كتبناه، وإنما هي لامام جليل من أئمة المسلمين هو السيد رشيد رضا قال رضي الله عنه (1):
إنه انفرد بأحاديث كثيرة كان بعضها موضع الانكار، أو مظنته، لغرابة