سواه من الصحابة جميعا - لأباح له الرواية، ولرضي عنها - بل لكان أولى الناس بأن يتخذه مرجعا علميا، يرجع إليه فيما يغيب عنه معرفته، أو يشك فيه من أحاديث الرسول، فكان - على سبيل المثال - يرجع إليه في حديث الطاعون الذي حيره! أو يسأله عن حديث فاطمة بنت قيس وحديث الاستئذان الذي سأل عنه أبا موسى الأشعري، وغير ذلك من الأحاديث التي كان يشك فيها - وهذا أمر يقع كل يوم، وعلى سبيل المثال كذلك - أين كان أبو هريرة عندما استبهم أمر ميراث الجدة على أبى بكر وأخذ يسأل الناس عنه! وأين وأين - ولكن من يفهم!
حقا لو كان عمر يعرف لأبي هريرة هذه المزايا التي لو كانت صحيحة لاشتهر بها بين الصحابة جميعا ولأصبح بها يشار إليه بينهم بالبنان، ولذاع اسمه بسبها في كل مكان، ولكان قد اتقى درة عمر من أن تباشر ظهره، ولحرص عمر الحرص كله على أحاديثه ولامر بكتابتها، كما حرص على كتابة القرآن لتبقى بجوار كتاب الله خالدة على وجه الزمان!
وبذلك تكون أحاديث أبي هريرة وحدها موضع ثقة المسلمين جميعا في مشارق الأرض ومغاربها على مد العصور - وتأتي منزلتها عندهم بعد منزلة القرآن في اتباعها، والاخذ بها، ثم لجعلها علماء النحو من دون أحاديث الصحابة جميعا (1) مما يستشهدون به على اللغة والنحو لأنها جاءت - كما يطلبون متواترة في لفظها ومعناها، وتظل هذه الأحاديث على مدى الأجيال أعظم ثروة أدبية في حقيقة مبناها، وأجل ذخيرة لغوية ينعم الناس بارتشاف رياها!
وعلى الجملة يكون الكتاب الذي يحمل أحاديث أبي هريرة، هو الكتاب الثاني - في الصدق - بعد القرآن في الدين والعلم والأدب واللغة والبلاغة!
وإذا قلنا إن عمر قد تعنت مع أبي هريرة فمنعه من الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله وبالغ في التعنت فضربه بغير حق ليكفحه بلجام درته! لو قلنا ذلك لكان عمر - ولا ريب ظالما لأبي هريرة أي ظلم، وجانيا على الدين - وعلى من جاء