باب الدلالة على إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يدل على إمامته عليه السلام ما تواترت به الشيعة مع كثرتها وتباعد ديارها وتباين آرائها واختلاف هممها وقد بلغوا من الكثرة إلى حد لا يتعارفون ولا يتكاتبون ولا يحصرهم بلد ولا يحصيهم عدد - وقد نقلوا خلفا عن سلف مثلا عن مثل في فصول 1 شرائط التواتر فيهم، إلى أن اتصل نقلهم بالنبي عليه وآله السلام بأنه نص على أمير المؤمنين عليه السلام وجعله القائم مقامه بعده بلا فصل.
فلا يخلو حالهم في ذلك من أحد أمرين: إما أن يكونوا صادقين أو كاذبين، فإن كانوا صادقين فقد ثبتت إمامته حسب ما ذكرناه، وإن كانوا كاذبين لم يخل كذبهم من أحد أمور: أما أن يكون قد اتفق لهم الكذب فنقلوه على جهة التنحت، أو تواطؤوا عليه، أو جمعهم على ما ذلك ما يجري مجرى التواطؤ، أو اتفق أحد ذلك في أحد الفرق الناقلة فيما بيننا وبين نبينا عليه السلام، أو كان الأصل فيهم واحدا ثم انتشر الخبر عنه وظهر. وإذا بين فساد جميع ذلك لم يبق إلا أن الخبر صدق حسب ما قدمناه.
ولا يجوز أن يكون قد اتفق لهم الكذب من غير تواطؤ، لأن العادة مانعة من وقوع أمثال ذلك ونظائره، ألا ترى أنا نعلم استحالة أن يتفق الشعراء جماعة كثيرة التوارد في قصيدة واحدة على وزن واحد وروي واحد ومعنى واحد، وكذلك يستحيل على مثل أهل بغداد أن يتكلموا - كلهم - بكلام واحد أو غرض واحد، ويجري ذلك في الاستحالة مجرى اتفاقهم على أكل طعام واحد، والتزيي بزي واحد وما يجري مجرى ذلك. وإذا ثبتت استحالة جميع ما ذكرناه فما ذكرناه لاحق به في الاستحالة.
ولا يجوز أن يكونوا تواطؤوا عليه لأن التواطؤ ما أن يكون وقع منهم باجتماع بعضهم إلى بعض، وهذا مما يعلم استحالته فيهم لكثرتهم وتباعد ديارهم وأوطانهم، أو يكون وقع التواطؤ منهم بالتكاتب والتراسل، وهذا أيضا محال، لأنه من المحال أن يكاتب الشيعة في أقطار الأرض بعضهم بعضا ويتفقوا على شئ بعينه. وكيف