يصح ذلك وفيهم جم غفير في كل بلد لا يعرفون ممن في بلاد أحدا 1 إلا الواحد والاثنين فأما الباقون فلا يعرفون، ومن هذا حكمه فإنه تستحيل المكاتبة بينهم. ولو كان ذلك مما يصح أيضا لوجب أن يظهر في أوجز مدة لأن ما يجري هذا المجرى من الأمور العظيمة التي يتواطأ الناس عليها فإنها لا يجوز أن يخفى بل لا بد من ظهورها في أسرع الأوقات.
فأما ما يجري مجرى التواطؤ أيضا فمفقود فيهم، لأن ذلك لا يكون إلا إما رغبة في العاجل أو رهبة، وكلا الأمرين منتفيان عن النص لأن الذي أدعي له النص لم يكن له سوط فتخاف سطوته فيدعو ذلك إلى افتعال النص عليه 2 بل كانت الصوارف حاصلة فيما يختص هو به من الفضل من نشره 3 وكتمان مناقبه، ولا كان له أيضا دنيا فيكون الطمع في نيلها داعيا إلى وضع النص له.
ولو كان الأمران أيضا حاصلين لمن ادعي له النص لما جاز أن يكون ذلك داعيا إلى افتعال خبر بعينه إلا من جهة التواطؤ الذي أبطلناه. وإنما يجوز أن يكون الأمران داعيين إلى وضع فضيلة ماله في الجملة، فأما أن يكون داعيا إلى وضع فضيلة بعينها على صيغة مخصوصة فإن ذلك من المحال حسب ما قدمناه.
وليس لأحد أن يقول إذا جاز أن ينقلوا الخبر الصدق لكونه صدقا ويكون علمهم أو اعتقادهم لصدقه داعيا إلى نقله من غير تواطؤ [فلم] لا يجوز أن ينقلوا الكذب لمجرد كونه كذلك من غير تواطؤ، لأن الدلالة فرقت بين الموضعين، لأنا نعلم أن العلم أو الاعتقاد لكون الخبر صدقا داع إلى نقله، والاعتقاد لقبح الشئ أو كون الخبر كذبا وإن جاز أن يكون داعيا على بعض الوجوه، فلا يجوز أن يشمل ذلك الخلق الكثير. على أن العلم بقبح الشئ لا يكون داعيا إلى فعله بل هو صارف عن فعله، وإنما يدعو في بعض الأوقات لأمر زايد على كونه قبيحا من نفع أو دفع مضرة وقد بينا أن كليهما لم يكن في خبر النص، ولو كان لكان داعيا إلى وضع الفضائل المختلفة دون أن يكون ذلك داعيا إلى وضع فضيلة بعينها.
وجميع ما قدمناه من وجوه البطلان في الطرق التي بينا فإنه يبطل أيضا أن