والثاني أنه يقوم بتدبير الأمة وسياستها وتأديب جناتها والقيام بالدفاع عنها وحرب من يعاديها وتولية ولاية من الأمراء والقضاة وغير ذلك وإقامة الحدود على مستحقيها.
فمن الوجه الأول يشارك الإمام النبي في هذا المعنى، لأنه لا يكون نبي إلا وهو مقتدى به ويجب القبول منه من حيث قال وفعل، فعلى هذا لا يكون إلا وهو إمام.
وأما من الوجه الثاني فلا يجب في كل نبي أن يكون القيم بتدبير الخلق و محاربة الأعداء والدفاع عن أمر الله بالدفاع عنه من المؤمنين لأنه لا يمتنع أن تقتضي المصلحة بعثة نبي وتكليفه إبلاغ الخلق ما فيه مصلحتهم ولطفهم في الواجبات.
العقلية وإن لم يكلف تأديب أحد ولا محاربة أحد ولا تولية غيره، ومن أوجب هذا في النبي من حيث كان نبيا فقد أبعد وقال ما لا حجة له عليه.
فقد بين الله تعالى ذلك وأوضحه في قوله عز ذكره: (وقال لهم نبيهم أن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا....) الآية (4).
فحكى تعالى ذلك أن النبي قال لهم: (إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا) وكان النبي غير ملك، لأنه لو كان الملك له لما كان لذلك معنى. ولما قالوا (أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه) بل كان ينبغي أن يقولوا: و أنت أحق بالملك منه لأنك نبي والنبي لا يكون إلا وهو ملك سلطان.
ثم أخبر النبي (بأن الله اصطفاه عليهم وزاده بسطة في العلم والجسم) و أنه إنما جعله ملكا لما فيه من فضل القوة والشجاعة التي يحتاج (5) إليها المقام (6) وللأعداء، وعلمه بسياسة الأمور.
ثم أخبر أن الله يؤتي ملكه من يشاء من عباده فمن (7) يعلم أن المصلحة في إعطائه فلو كان الأمر على ما قالوا لقال: من يشاء من أنبيائه وكل ذلك واضح.
وأيضا فلا خلاف أن هارون عليه السلام كان نبيا من قبل الله تعالى موحى إليه، وأن موسى عليه السلام، استخلفه على قومه لما توجه إلى ميقات ربه