تعالى وأقامه مقامه فيما هو إليه من القيام بتدبير الأمة، وقد نطق به القرآن في قوله، (اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين) (8).
فلو كان له أمر من حيث كان نبيا القيام (9) بأمر الأمة لما احتاج إلى استخلاف موسى إياه وإنما حسن ذلك لأنه استخلفه فيما كان إليه خاصة فاستخلف أخاه فيه وأقامه مقامه وذلك أيضا واضح.
ولا خلاف أيضا بين أهل السير أن النبوة في بني إسرائيل كانت في قوم والملك في قوم آخرين وإنما جمع الأمران لأنبياء مخصوصين مثل داود على خلاف من أهل التوراة في نبوته - وسليمان - على مذهب المسلمين - ونبينا صلى الله عليه و [آله] وذلك بين جواز انفكاك النبوة من الإمامة أوضح بيان.
وأيضا فقد قال الله تعالى لنبيه إبراهيم عليه السلام لما ابتلاه الله بكلمات فأتمهن قال: إني جاعل [ك] للناس إماما، (10) فوعده أن يجعله إماما للأنام فأما ما (11) أوجبه الله عليه جزاء له على ذلك، فلو كانت النبوة لا تنفصل من الإمامة لما كان لقوله: إني جاعلك للناس إماما معنى، لأنه من حيث كان نبيا وجب أن يكون إماما على قول المخالف، كما لا يجوز أن يقول: إني جاعلك للناس نبيا وهو نبي.
فإن قيل (إني جاعلك للناس إماما) بمعنى جعلتك إماما قلنا: هذا فاسد من وجهين:
أحدهما أنه تعالى جعل وعده بأن يجعله إماما جزاء على قيامه بما ابتلاه الله تعالى به من الكلمات وذلك لا يليق إلا بأن يكون المراد به الاستقبال ولولا ذلك لما قال إبراهيم عليه السلام: (ومن ذريتي) أئمة عقيب ذلك.
والثاني اسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضي لا يعمل عمل الفعل ولا يصح أن ينصب به ألا ترى إلى القائل إذا قال: (إني ضارب زيدا) لا يجوز أن يكون المراد بضارب إلا إما الحال أو الاستقبال ولا يجوز أن يكون ما مضى، ولو أراد أنا ضارب زيد أمس لم يجز أن ينصب به زيدا، والله تعالى نصب (بجاعلك)