وهكذا أمضى الشيخ الطوسي 40 عاما - من 408 ه إلى 448 - في بغداد، كان القسط الأكبر منها في مجال تحصيل العلوم، والباقي لزعامته وتدريسه. وقد كان في نفس الوقت مشغولا بالتأليف بالإضافة إلى الدرس والتدريس ولقد تابع جهده العلمي في مدينة النجف الصغيرة التي تبعد عن الكوفة فرسخا واحدا. وكانت النجف تقريبا في ذلك الوقت قد أصبحت موئلا يقصده طلاب العلم لمتابعة درسهم بالقرب من مرقد الإمام علي عليه السلام. وفي تاريخ 22 المحرم عام 460 ه وبعد انقضاء 75 سنة من عمر ملئ بالمشاغل العلمية وتربية مئات العلماء وتأسيس وتقوية أقدم الحوزات العلمية للشيعة الإمامية، وبعد تأليف وتصنيف حوالي 50 كتابا ورسالة في مختلف الفنون، أنهى الشيخ الطوسي حياته العلمية، ودفن في منزله الخاص الواقع شمالي البقعة المطهرة العلوية، والذي تحول فيما بعد إلى مسجد بناء على وصية منه رضي الله عنه. ويعرف حاليا بمسجد الشيخ الطوسي . وبذلك كانت مدة إقامته في النجف الأشرف 12 سنة - أي من 448 إلى 460 ه -.
كان هذا عرضا سريعا لحياة الشيخ الطوسي وأما التفصيل فكالتالي: لقد مر معنا أن حياة الشيخ الطوسي تتلخص بحسب محال إقامته في ثلاث مراحل:
1 - الفترة الواقعة من ولادته إلى هجرته إلى بغداد (من 385 إلى 408 ه) 2 - الفترة الواقعة من إقامته في بغداد إلى هجرته إلى النجف (من 408 إلى 448 ه) 3 - فترة إقامته في النجف حتى وفاته (من 448 إلى 460 ه) وفي مجال تفصيل ذلك نقول:
المرحلة الأولى من ولادته إلى هجرته إلى بغداد فعلا وعلى حسب المصادر الموجودة لدينا، فإن المعلومات عن هذه المرحلة من حياة الشيخ قليلة جدا بل معدومة رأسا. فالمترجمون القدامى إنما قالوا عن هذه المرحلة من حياة الشيخ: إنه ولد في شهر رمضان عام 385 ه، وفي عام 408 ورد بغداد وإنه كان ينسب إلى طوس (1). وبهذا الكلام المبهم وضعوا أمامنا أسئلة عديدة: