وفي نفس الوقت ازدهرت حلقات أهل السنة وازداد نشاطهم في ظل حكم طغرل بك المدافع عنهم بتمام الهمة والمقدرة. وينبغي أن لا ننسى أن المدرسة المعروفة ب " النظامية " قد أسست لفقهاء الشافعية عام 457 ه - أي بعد تسع سنوات فقط من هجرة الشيخ الطوسي - على يد نظام الملك وزير السلطان آلب السلجوقي وافتتحت رسميا عام 459 ه (103) المرحلة الثالثة الفترة الواقعة بين هجرة الشيخ الطوسي إلى النجف وبين وفاته.
إننا لا نعلم شيئا عن كيفية هجرته وعمن كان في صحبته، ولا عن أحواله في النجف، ولكن يمكن القول بشاهد الحال وقياس الأحوال، أن الهجرة كانت محفوفة بالخوف والاضطراب بل الحرمان والافتقار. ولعل هذه الحالة لازمته حتى وفاته إذ أن النجف وبقية المشاهد المشرفة لآل البيت عليهم السلام قد فقدت رونقها الذي كان مزدهرا بشكل ملموس في عهد " الديالمة " إذ أنها قد فقدت حالة الجلال والأبهة التي كانت تعتريها حين قدوم أو مغادرة أحد ملوك الديالمة ورجالهم بتلك المشاهد المشرفة ولا سيما حرم علي عليه السلام. كما أن الشيعة عامة قد فقدوا الحرية في إقامة تلك المراسم والحفلات المذهبية المكشوفة هناك كما كان الحال في ظل حكم " الديالمة ".
هذا ويمكن الانتهاء إلى هذه النتيجة وهي أن هذا العالم الحر المهذب الطاهر القلب وبرفقة بعض طلبة العلم، وأبناء مدرسة أهل البيت عليهم السلام قد أقاموا بتلك الزاوية المقدسة - وهي بعد تعد قرية صغيرة ولم تكن أصبحت مدينة - أقاموا فيها محزونين ومتأسفين على ذهاب الأيام الذهبية متفرغين إلى البحث والدرس، بعيدين عن الفتن والثورات، وعن التدخل في الأوضاع الجارية.
وهكذا استمر على هذا الوضع لمدة 12 عاما - أي من عام 448 إلى 460 ه حتى ليلة 22 محرم الحرام من تلك السنة، حيث انتقلت روحه الطاهرة إلى الجنة الباقية. ويقول الحسن بن المهدي السليقي أحد تلامذة الشيخ: " توليت أنا والشيخ أبو محمد الحسن بن علي بن عبد الواحد العين زربي والشيخ أبو الحسن اللؤلؤي غسله في تلك الليلة ودفنه " (104)