قيل له: إنما دخل عليه السلام في الشورى لأمور:
منها إنه دخلها ليتمكن من إيراد النص عليه والاحتجاج بفضائله وسوابقه، وما يدل على أنه أحق بالأمر وأولى، وقد علمنا أنه لو لم يدخلها لم يجز منه أن يبتدئ بالاحتجاج، وليس هناك مقام احتجاج وبحث فجعل عليه السلام الدخول فيها ذريعة إلى التنبيه على الحق بحسب الإمكان، على ما وردت به الرواية، فإنها وردت بأنه عليه السلام عدد في ذلك اليوم جميع فضائله ومناقبه أو أكثرها.
ومنها أن السبب في دخوله عليه السلام كان للتقية والاستصلاح لأنه عليه السلام لما دعى الدخول في الشورى أشفق من أن يمتنع فينسب 1 منه الامتناع إلى المظاهرة والمكاشفة، وإلى أن تأخره عن الدخول إنما كان لاعتقاده أنه صاحب الأمر دون من ضم إليه فحمله على الدخول ما حمله في الابتداء على إظهار الرضا والتسليم.
فإن قيل: لو كان عليه السلام منصوصا عليه السلام 2 على ما تدعون لوجب أن يكون من دفعه عن مقامه مرتدا كافرا، وفي ذلك، إكفار الأمة بأجمعها، وذلك خروج عن الإسلام:
قيل له: الذي نقوله في ذلك: إن الناس لم يكونوا بأسرهم دافعين للنص وعاملين بخلافه مع علمهم الضروري به، وإنما بادر قوم من الأنصار - لما قبض الرسول عليه السلام - إلى طلب الإمامة واختلفت كلمة رؤسائهم واتصلت حالهم بجماعة من المهاجرين فقصدوا السقيفة عاملين على إزالة الأمر من مستحقه والاستبداد به، وكان الداعي لهم إلى ذلك والحامل لهم عليه رغبتهم في عاجل الرياسة والتمكن من الحل والعقد، وانضاف إلى هذا الداعي ما كان في نفس جماعة منهم من الحسد لأمير المؤمنين عليه السلام والعداوة له لقتل من قتل من أقاربهم ولتقدمه واختصاصه بالفضائل الباهرة والمناقب الظاهرة التي لم يخل من اختص ببعضها من حسد وغبطة وقصد بعداوة وآنسهم بتمام ما حاولوه بعض الأنس بتشاغل بني هاشم وعكوفهم على تجهيز النبي عليه السلام فحضروا السقيفة ونازعوا في الأمر وقووا على الأمر وجرى ما هو مذكور.