تلك الأخبار أو حملها على خلاف ظاهرها، فنقول: أما مكاتبة ابن بزيع (1) فعلى أن المراد من الطهارة مطلق النظافة والنزاهة. وهو بعيد لأن مثل ذلك لا ينحصر الرجوع فيه إلى الإمام (عليه السلام) بحيث لا يعرفه أحد سواه حتى يكتب له من بلاد إلى بلاد، نعم يحتمل أن يقال إنه إنما تدل على القول بأن النزح تعبد، وذلك لأنه قال فيها " ما الذي يطهرها حتى يحل الوضوء منها للصلاة " وكان قوله (حتى) إشارة إلى ذلك، لأن المعنى حينئذ ما الذي يطهرها طهارة تحل الوضوء منها للصلاة. فيكون كأن أصل وجود الطهارة عنده محقق لكن إشكاله في الطهارة التي يترتب عليها مثل الوضوء.
أو يقال إن ذلك في كلام السائل لا في كلامه (عليه السلام) وكما يمكن تقديره في كلام الإمام بأن يقال يطهرها نزح دلاء كذلك يمكن أن يقال أنه لما سئل عن هذه الأشياء قال ينزح منها دلاء وأضرب عن قول السائل يطهرها، فيكون حينئذ هذا الخبر كالأخبار الأخر الآمرة بالنزح. ومما يؤيد أن هذه الرواية ليست على ظاهرها هو أن محمد بن إسماعيل بن بزيع راوي هذه الرواية قد روى تلك الرواية الواضحة الدلالة التي لا تقبل التأويل وهي قوله " ماء البئر واسع لا يفسده إلا أن يتغير طعمه أو ريحه فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه لأن له مادة " (2) مع أنه لم يظهر منه لتوقف في الحكم من جهة التناقض والتعارض.
وأما الرواية الثانية وهي قوله: " يجزيك أن تنزح منها دلاء فإن ذلك يطهرها إن شاء الله " فقد احتمل فيها أيضا حمل الطهارة على المعنى اللغوي، وربما أيد هنا بأن دلاء أقله ثلاثة، مع أنه من جملة المسؤول عنه الكلب والهرة، والفتوى عندهم في ذلك أربعون دلوا، ولا يبعد حمل هذه الرواية والتي قبلها على إرادة الطهارة مما يكره استعماله، وذلك لأنه لما كان النجس يحرم استعماله وهذا يكره استعماله شارك النجس في ذلك