في أذهانهم من نجاسة الماء القليل، وإلا لو عرضت عليهم نظائر هذا التركيب لأنكروا على من فهم منها ذلك، فإذا قال القائل مثلا إذا جاءك زيد فلا تكرم أحدا أترى أنه يفهم منه أنه إن لم يجئك زيد فأكرم كل أحد كلا، إن مدعي ذلك مفتر، نعم يفهم أنه أن لم يجئ زيد فليس هذا الحكم، وهو هنا مسلم، فإنه إن لم يكن الماء قدر كر فليس له هذا الحكم، وعدم هذا الحكم تارة يكون بالايجاب الكلي، وأخرى بالجزئي، كما اعترف به الفاضل في نظير المقام، على أن تقدير المفهوم على حسب غيره في المقام يقتضي أن غير الكر ينجسه شئ، وهو نكرة في سياق الاثبات لا تفيد العموم، لا يقال:
إنا نأخذ ذلك من الحكمة، فإنه إن لم يحمل على هذا المعنى لزم اللغو في كلام الحكيم، لأن الحمل على بعض دون بعض ترجيح من غير مرجح، ولا عهد، فوجب الحمل على العموم، وفيه - مع فساده في نفسه وجوه مذكورة في محلها - أنه إن حكم بذلك فإنما يحكم به بعد العلم بأنه جاء الشارع بهذا الخطاب لإفادة ذلك، فإنه قد يكون حينئذ قرينة عقلية على ذلك، ودعوى حصوله في المقام ممنوعة، إذ لعله جئ به لبيان عموم حكم المنطوق، كما يظهر من بعض الأخبار (1) المتضمنة للسؤال " عن الماء الذي لا ينجسه شئ فقال: كر " ونحوها غيرها.
ولقد أجاد المقدس البغدادي في محصوله، حيث أنكر دلالة مثل الشرط الذي يراد العموم من منطوقه على المفهوم، كقوله " متى تاته تعشوا إلى ضوء ناره " و " حيث ما تراه تجده مشغولا " ونحوهما، وإن كان هو في بعض المواضع لا يخلو من نظر، ومع ذلك فالشك كاف في المطلوب، ومن هنا ظهر لك وجه ما وقع من بعضهم من منع كلية الكبرى في المقام، مع استدلالهم بالمفهوم على نجاسة الماء القليل، وذلك لأنه لا كلام في كون هذه الأخبار دالة على التنجيس بغير التغير، فيستدل بها حينئذ على المنكر لذلك كابن أبي عقيل، وأما أن التنجيس بكل شئ وعلى أي حال فلا دلالة فيها، ومن هذه