فالنجاسة الغير المنصوصة يحتمل كونها من الأولى، ويحتمل كونها من الثانية، فاليقين لا يحصل إلا بنزح الجميع، وما ادعاه من الأولوية يبطله ما دل على نزح الجميع لتلك مع عدم التغيير. وما يقال أن تلك خرجت بالدليل يدفعه أن الأولوية هنا ليست من اللفظ، بل في الحقيقة قطع حصل لنا من ملاحظة كلام الشارع، وبعد فرض أنه قد ورد في الشرع خلافه بطل ذلك القطع، وكذا ما يقال نحن نقطع قبل وصول شئ إلينا من الشارع في ذلك، فإذا وصل بطل القطع فيما يصل، ويبقى غيره، ضرورة أن هذا الواصل زلزل القطع من أصله في خصوص المقام، وأظنك بما ذكرنا تكتفي عن بيان فساد احتمال القول بتقدير التغيير ثم النزح لما يزوله مع كون التغيير غير مضبوط فتأمل.
وقيل بوجوب نزح الثلاثين، ونسب إلى العلامة (رحمه الله) في المختلف وفي المدارك حكى عن الشهيد نسبته للبشري وأنه نفي عنه البأس واحتج عليه برواية كردويه (1) قال:
سألت أبا الحسن (عليه السلام) " عن بئر يدخلها ماء المطر فيه البول والعذرة وأبوال الدواب وأرواثها وخرء الكلاب قال (عليه السلام): ينزح منها ثلاثون دلوا ولو منجرة " وعن الشهيد في الشرح أنه وجد بخط الشيخ في الاستبصار بضم الميم وسكون الباء وكسر الخاء، ومعناه المنتنة، ويروي بفتح الميم والخاء، ومعناه موضع النتن، وفي المدارك أن الاستدلال بها عجيب، إذ لا دلالة لها على المتنازع بوجه، فإن موردها نجاسات مخصوصة، والكلام إنما هو في غير المنصوص، قلت: قد يقال: وجه فهمهم منه قوله (عليه السلام):
ولو كانت منجرة أن الثلاثين كافية في كل نجاسة تقع فيها حتى لو بلغت هذا المبلغ، وهذه عبارة تقال: في مثل هذا المقام فلا يراد منها خصوص ما سئل عنه، نعم قد يناقش بأن فيها كردويه، وعن العلامة في المختلف إني لم أعرف حاله، فإن كانت الرواية صحيحة فالقول به متجه. انتهى. قلت: ولعله كذلك، إذ لم يذكر بمدح ولا قدح فيما حضرني، واحتمال أن يقال: لا تقدح جهالة كردويه، لكون الراوي عنه