وهل هذا النزح لسلب الطهورية أم لنجاسة البئر أم تعبد شرعي؟ نقل في المدارك عن المعتبر والمختلف الأول، وصرح في المسالك بالثاني، ويلوح من بعضهم الثالث، وكأن الأول مبني على أن المستعمل في الكبرى يسلب الطهورية، وما يقال إن المصنف صرح في نكت النهاية بأن الماء الذي ينفعل بالاستعمال عند من قال به إنما هو القليل غير الجاري، فلا معنى للحكم بزوال الطهورية، فيه أنه لعل مقصود المصنف بالحصر إنما هو اخراج الجاري، وإلا فالبئر أسوء حالا من القليل بمراتب، وأما الثاني فربما يحتج عليه بالأمر بالنزح الظاهر في النجاسة، وبقوله (عليه السلام) " لا تقع في البئر ولا تفسد على القوم ماءهم " وفيه أن الأمر بالنزح بمجرده لا يدل على ذلك، وليس هو كالأمر بالغسل الذي يستفاد منه التنجيس في غير المقام، وعلى تقدير كونه مثله فيحتاج في فهم ذلك منه إلى شهرة تقرب للاجماع أو إجماع كما في الغسل، فكيف والشهرة المركبة بل البسيطة على خلافه، ونسبته أي النجاسة في جامع المقاصد إلى ظاهر كلام القوم فيه منع لأنهم وإن ذكروه مع النجاسات لكن مقصودهم في ذلك ذكر النزح لا النجاسة، ومما يرشد إلى ذلك أن العلامة في المنتهى قال: والعجب أن ابن إدريس القائل بطهارة المستعمل حكم ههنا بنجاسة البئر ولم يوجد في الأحاديث شئ يدل عليه ولا لفظ أصحابنا، فلم يلتفت إلى هذا الاقتران في كلام الأصحاب، وعدم استبعاد ذلك من جهة أن البئر لها أحكام كثيرة تنفرد بها عن غيرها لا يكون مقتضيا للقول به، نعم هو كذلك بعد صراحة الدليل به، وأما قوله (عليه السلام) لا تفسد على القوم ماءهم فهو كما يحتمل ذلك يحتمل من جهة سلب الطهورية، أو من جهة تعلق وجوب النزح، أو من جهة إثارة ما فيها، أو من جهة خوف الموت فيها فيفسد عليهم ماؤهم، وإذا قام الاحتمال بطل الاستدلال.
والأقوى القول بالتعبد الشرعي وإن قلنا بنجاسة البئر بغير ذلك، وإن كان القول بسلب الطهورية بناء على القول به في المستعمل في الكبرى لا يخلو من قرب