وكيف كان فالأقوى ما اختاره المصنف ويدل عليه ما رواه أبو بصير (1) قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) " عن الجنب يدخل البئر فيغتسل منها؟ قال ينزح منها سبع دلاء " فإن ظاهر قوله يغتسل منها أنه ليس ارتماسا، ولو لم يكن ظاهرا في ذلك فترك الاستفصال كاف في إفادة المطلوب، وفي صحيح ابن مسلم (2) " إذا دخل الجنب البئر نزح منها سبع دلاء " وفي خبر الحلبي (3) " وإن وقع فيها جنب فانزح منها سبع دلاء " وفي رواية عبد الله بن سنان (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " إن سقط في البئر دابة صغيرة أو نزل فيها جنب فانزح منها سبع دلاء " ولمكان التعليق في هذه الأخبار على الدخول والنزول والوقوع الشامل لحالتي الاغتسال وعدمه ذهب بعضهم إلى تعميم الحكم، وما أبعد ما بينه وبين ابن إدريس من تخصيص الحكم بالارتماس محتجا بأن الحكم مخالف للأصول، ولولا الاجماع لما قلنا بالارتماس في ذلك، فيقتصر عليه، والأولى ما ذكرنا لظهور هذه الأخبار بقرينة شاهد الحال في إرادة الاغتسال، بل لعل خبر أبي بصير يكون قرينة على ذلك، على أن لفظ الوقوع يراد منه الاغتسال، كما يظهر من خبر ابن أبي يعفور (5) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
" إذا أتيت البئر وأنت جنب فلم تجد دلوا ولا شيئا تغرف به فتيمم بالصعيد فإن رب الماء رب الصعيد ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم ماءهم " فإن الظاهر من قوله (عليه السلام) ولا تقع في البئر أن المراد لا تغتسل، وإن احتمل غيره كما تقدم هذا.
مع أن الأصول والضوابط قاضية بالعدم، والمتيقن من الأدلة ما ذكرنا، على أن نفس نزول الجنب في البئر لا يفيده تنجيسا، ولا سلب طهورية إذ ليس هو أسوء حالا من الماء القليل والماء المضاف فتأمل.