والتحقيق أن يقال: إنه من المعلوم أن العدد من ثلاثة إلى عشرة مميزة جمع مجرور، وما زاد عليه مفرد منصوب كما هو مقرر في محله، وأن التحقيق عدم الفرق بين جمع القلة والكثرة، بل الجمع يصدق على ثلاثة فصاعدا، وإن ما ذكره بعض أهل العربية من الفرق بينهما بأن جمع الكثرة لما زاد على العشرة بخلاف جمع القلة وهم بشهادة العرف والاستقراء كما هو المذكور في محله، وكيف كان فالمتكلم بالجمع تارة يقصد منه مجرد مصداقه، فيحصل الامتثال بمسماه ولا يقصد منه عدد مخصوص إذ ليس هو داخلا في ماهيته وحقيقته، وأخرى يلاحظ مقدارا مخصوصا من العدد، وهذا تارة يحصل التصريح به إما بجعله مميزا لذلك المقدار من العدد المراد أو بغيره وتارة يعلم المراد منه ذلك لكنه لم يعلم خصوص العدد المراد، ولا إشكال في جميع ما تقدم، إنما الكلام في الأخير، فنقول حينئذ: إما أن تحصل قرينة دالة على ذلك المقدار أو لا، ولا إشكال فيما إذا حصلت، ومع عدم حصولها فهل مجرد قابلية التمييز لنوع خاص دون غيره قرينة على إرادة ذلك العدد منه دون الآخر أو لا؟ الظاهر الأول.
فإن قلت: إرادة العدد منه لا تقضي بتقدير العدد قبله بحيث يقع مميزا له، بل قد يكون حينئذ يقدر بعده أو قبله ما يفيد ذلك، مثلا إذا قال: أعط زيدا دراهم وعلمنا إرادة العدد منه فقد يكون المراد منه حينئذ دراهم تبلغ مائة أو خمسين أو نحو ذلك وإن لم يصلح لأن يكون مثل هذا اللفظ مميزا له. قلت: إن ذلك محتمل لكن يرجح الأول بما يقتضيه المقام من قلة الاضمار وجريانه مجرى الأعداد ونحو هما، إذا عرفت ذلك فنقول هنا: أما إرادة مطلق الدلاء من غير إرادة عدد مخصوص بحيث يحصل الامتثال بأقل ما يصدق عليه فمقطوع بعدمه بالاجماع من الأصحاب، ولذلك لم يعترض به المحقق (رحمه الله) على الشيخ، فلا كلام حينئذ في إرادة العدد المخصوص، إنما الكلام في تشخيصه، وملاحظة كلامهم عليهم السلام في بيان المنزوحات من العشرين والثلاثين والأربعين وغير ذلك تقضي بأن لفظ الدلاء الواقع في كلامهم في هذا المقام مقصود منه