وبأن المعروف من الماء المطهر حيث يطهر أن يداخل المطهر ويتخلل في أجزائه ويجري عليه حيث يكون جسما قابلا لذلك، وإلا فلا معنى للقول بطهارة الطرف البعيد المتناهي في البعد بمجرد ملاقاته لأول أجزاء الطرف الآخر، والقول أن الأجزاء الملاقية طهرت بالملاقاة وهي طهرت غيرها للملاقاة والامتزاج وهكذا خيال حكمي لا يصلح أن يكون مستندا للحكم الشرعي من غير دليل، على أنه مبني على السراية وهي مخالفة للأصل في وجه.
وكأنه لذلك ظهر من بعض المتأخرين أنه لا يحصل الطهارة إلا مع استهلاك الماء النجس في الماء الطاهر واضمحلاله بأن يكون الماء الكثير أوسع سطحا من الماء القليل ونحو ذلك.
فالمدار حينئذ حصول الامتزاج على وجه يستهلك الماء النجس في جنب الماء الطاهر ويضمحل. وربما أيد هذا الوجه بما نقل عن صاحب المعالم من التحقيق بأنه لما دل النص والاجماع على أن وقوع النجاسة في الكثير لا تمنع من استعماله ولا تؤثر فيه تنجيسا وإن كثرت ما لم يتغير بها لاستهلاكها فيه واضمحلالها في جنبه، فيدل بمفهوم الموافقة على أن الماء النجس بهذه المثابة فإذا وقع الماء عليه وصار مستهلكا فيه بحيث شاعت أجزاؤه ولم يتميز وجب الحكم بطهارته. والظاهر أن مراده بالاستهلاك امتزاج الجميع بالجميع لا من جهة القلة والكثرة.
ويتوجه على ما ذكره هذا المتأخر أنه إن أراد بالاستهلاك من جهة القلة والكثرة بمعنى أنه لا بد وأن المطهر أكثر من المطهر بالفتح بحيث يستهلك في جنبه كما يقضي به استدلاله عليه بالحديث المشهور (1) " إن الماء يطهر ولا يطهر " بالحمل على أن المراد أنه ليس صورة يطهر فيها إلا بالاستهلاك والاضمحلال وحينئذ يكون كالمعدوم، فيتجه قوله لا يطهر ففيه أنه مخالف للاجماع الذي ستسمعه من المحقق الثاني في رده القول بالامتزاج.
وقال في كشف اللثام: " لا خلاف في طهر الزائد على الكر أضعافا كثيرة بالقاء كر عليه وإن استهلكه " وفي المختلف: " إن الاتفاق واقع على أن تطهير ما نقص عن الكر