وما ذلك إلا من جهة استعلاء المادة وعدم حصول الدفعة.
والتحقيق الذي لا ينبغي المحيص عنه إلا لدليل خاص تعبدي هو أن يقال إنه إن قلنا أن السافل يتقوم بالعالي وإنه ليس لنا ماء واحد بعضه طاهر وبعضه نجس لا بد من الالتزام بعدم اشتراط الدفعة، بل ولا القاء تمام الكر، وذلك لأنه إذا ألقي الكر تدريجا من علو فالسافل حينئذ متقوم بالعالي كما هو الفرض، فإذا اتصل أو امتزج على اختلاف الرأيين بالماء النجس فلا ريب في صيرورة القدر الذي اتصل مع المتصل به ماء واحدا. وإن قلنا أن العالي مع الماء النجس غير متحد فحينئذ إما أن يطهر النجس أو ينجس الطاهر أو يبقى كل على حكمه: أما الأول فهو المقصود، وأما الثاني ففاسد لما عرفت من تقوي السافل بالعالي، وأما الثالث فقد عرفت أنه ليس لنا ماء واحد بعضه طاهر وبعضه نجس. وأما احتمال أن يقال إنها تطهر الأجزاء الملاقية دون الباقي، ففيه أولا أنه لا معنى لطهارة بعض الماء النجس دون بعض مع توافق الصفات، وثانيا أنه إذا طهرت تلك الأجزاء فقد تقوت بما لا قت - وإلا نجست ما بعدها - فتطهر غيرها وهكذا، ولا يحتاج إلى زمان لحصول الاتصال سابقا، هذا إن قلنا أن السراية في الطهارة على مقتضى الأصل، وثالثا بعد تسليم تلك المقدمة وهي أنه ليس لنا ماء واحد إلى آخره لا معنى للقول بطهارة الأجزاء الملاقية فقط، وذلك لأنه لا شك في أن هذه الأجزاء التي طهرت مع غيرها ماء واحد، ولا معنى لكون بعضه طاهرا وبعضه نجسا وهكذا بالنسبة للباقي. هذا ولكن قد عرفت المناقشة في هذه المقدمة وأنه لم نعرف مستندها من إجماع أو غيره، إلا أنه لا يلزم من ذلك اشتراط الدفعة بل أقصاه اشتراط وقوع تمام الكر ولو تدريجا، لأن النجاسة مستصحبة ولا يحصل اليقين برفعها إلا بذلك وما يقال إن مثل ذلك أيضا يقرر في اشتراط الدفعة حينئذ يدفعه أنه لا شك بالنسبة إليها عند التأمل حتى يتمسك بالاستصحاب. وما في كلام المحقق الثاني من نسبته إلى الأصحاب مع النص لم نتحققه، بل الظاهر خلافه ولذلك نسبه في كاشف اللثام إلى بعض المتأخرين. بل قد يناقش في