وابن حبان وضع قواعد واضحة في هذا الكتاب تحدد مذهبه في الحكم على الرجال، فهو يقول: " من كان منكر الحديث على قلته لا يجوز تعديله إلا بعد السبر، ولو كان ممن يروى المناكير ووافق الثقات في الاخبار لكان عدلا مقبولا الرواية، إذا الناس في أقوالهم على الصلاح والعدالة حتى يتبين ما يوجب القدح.
هذا حكم المشاهير من الرواة، فأما المجاهيل الذين لم يرو عنهم إلا الضعفاء، فهم متركون على الأحوال كلها.
يقول الحافظ ابن حجر تعليقا على هذا: (وهذا الذي ذهب إليه ابن حبان من أن الرجل إذا انتفت جهالة عينه كان على العدالة إلى أن يتبين جرحه مذهب عجيب، والجمهور على خلافه. وهذا مسلك ابن حبان في كتاب الثقات الذي ألفه. فإنه يذكر ستا ممن نص عليهم أبو حاتم وغيره على أنهم مجهولون. وكأن عند ابن حبان ان جهالة العين ترتفع برواية واحد مشهور، وهو مذهب شيخه ابن خزيمة.
وقد أفصح ابن حبان بقاعدته، فقال: العدل من لم يعرف فيه الجرح، إذ التجريح ضد التعديل، فمن لم يجرح فهو عدل حتى يتبين جرحه، إذ لم يكلف الناس ما غاب عنهم.
ويتبين منه مذهب ابن حبان ومن خالفه في توثيق من اشتهر برواية العلم، ولم يجرح فهو ثقة عند ابن حبان، وخالفه في ذلك غيره، فإذا رأينا في كتب الجرح والتعديل من قيل فيه (وثقة ابن حبان) عرفنا أنه ممن تختلف فيه أنظار العلماء، فابن حبان يقبله وغيره قد يتوقف فيه).
وابن حبان يقسم أنواع جرح الضعفاء إلى عشرين نوعا في مقدمة كتابه الذي بين يدي القارئ وضح كل نوع وضرب له الأمثلة، وبين الفروق الدقيقة التي قد تخفى على البعض ونبه عليها أثناء الترجمات، والتزم بهذه القواعد من أول الكتاب إلى آخره.
أول هذه الأنواع الزنادقة الذين كانوا يعتقدون الزندقة والكفر ولا يؤمنون بالله واليوم الآخر.
ثانيها: الذين يضعون الحديث على الشيوخ الثقات في الحث على الخير والزجر عن المعاصي