وهذا عام دخله خصوص. وروي أن عائشة قالت لابن أخيها ألا تعجب من كثرة رواية هذا الرجل ورسول الله (ص) حدث بأحاديث لو عدها عاد لأحصاها! وقال إبراهيم النخعي رضي الله عنه: كانوا يأخذون من حديث أبي هريرة ويدعون. وقال لو كان ولد الزنا شر الثلاثة لما انتظر بأمه أن تضع. وهذا نوع قياس.
ولما بلغ عمر رضي الله عنه أن أبا هريرة يروي ما لا يعرف قال: لتكفن عن هذا أو لألحقنك بجبال دوس. فلمكان ما اشتهر من السلف في هذا الباب قلنا ما وافق القياس من روايته فهو معمول به، وما خالف القياس فإن تلقته الأمة بالقبول فهو معمول به، وإلا فالقياس الصحيح شرعا مقدم على روايته فيما ينسد باب الرأي فيه.
ولعل ظانا يظن أن في مقالتنا ازدراء به ومعاذ الله من ذلك، فهو مقدم في العدالة والحفظ والضبط كما قررنا، ولكن نقل الخبر بالمعنى كان مستفيضا فيهم، والوقوف على كل معنى أراده رسول الله (ص) بكلامه أمر عظيم، فقد أوتي جوامع الكلم على ما قال: أوتيت جوامع الكلم واختصر لي اختصارا ومعلوم أن الناقل بالمعنى لا ينقل إلا بقدر ما فهمه من العبارة، وعند قصور فهم السامع ربما يذهب عليه بعض المراد، وهذا القصور لا يشكل عند المقابلة بما هو فقه (لفظ) رسول الله (ص)، فلتوهم هذا القصور قلنا: إذا انسد باب الرأي فيما روي وتحققت الضرورة بكونه مخالفا للقياس الصحيح فلا بد من تركه، لان كون القياس الصحيح حجة ثابت بالكتاب والسنة والاجماع فما خالف القياس الصحيح من كل وجه فهو في المعنى مخالف للكتاب والسنة المشهورة والاجماع. وبيان هذا في حديث المصراة فإن الامر برد صاع من تمر مكان اللبن قل أو كثر مخالف للقياس الصحيح من كل وجه، لان تقدير الضمان في العدوانات بالمثل أو القيمة حكم ثابت بالكتاب والسنة والاجماع. وكذلك فيما يرويه سلمة بن المحبق أن رسول الله (ص)