به المصالح للمعيشة وذلك بالمال، وما يحتاج إليه كل واحد لكفايته لا يكون حاصلا في يده وإنما يتمكن من تحصيله بالمال، فشرع سبب اكتساب المال وسبب اكتساب ما فيه كفاية لكل واحد وهو التجارة عن تراض لما في التغالب من الفساد والله لا يحب الفساد، ولان الله تعالى جعل الدنيا دار محنة وابتلاء، كما قال تعالى:
* (إنا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه) * والانسان الذي هو مقصود غير مخلوق في الدنيا لنيل اللذات وقضاء الشهوات بل للعبادة التي هي عمل بخلاف هوى النفس، قال الله تعالى: * (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) * فعرفنا أن ما جعل لنا في الدنيا من اقتضاء الشهوات بالاكل وغير ذلك ليس لعين اقتضاء الشهوة بل لحكم آخر وهو تعلق البقاء المقدور بتعاطيها، إلا أن في الناس مطيعا وعاصيا، فالمطيع يرغب فيه لا لقضاء الشهوة بل لاتباع الامر، والعاصي يرغب فيه لقضاء شهوة النفس فيتحقق البقاء المقدور بفعل الفريقين، وللمطيع الثواب باعتبار قصده إلى الاقدام عليه، والعاصي مستوجب للعقاب باعتبار قصده في اتباع هوى النفس الامارة بالسوء، تبارك الله الحكيم الخبير القدير، هو مولانا، فنعم المولى ونعم النصير.
فصل: في بيان المشروعات من العبادات وأحكامها قال رحمه الله: هذه المشروعات تنقسم على أربعة أقسام: فرض وواجب وسنة ونفل. فالفرض اسم لمقدر شرعا لا يحتمل الزيادة والنقصان، وهو مقطوع به لكونه ثابتا بدليل موجب للعلم قطعا من الكتاب أو السنة المتواترة أو الاجماع، وفي الاسم ما يدل على ذلك كله، فإن الفرض لغة التقدير، قال الله تعالى: * (فنصف ما فرضتم) *: أي قدرتم بالتسمية، وقال تعالى: * (سورة أنزلناها وفرضناها) *:
أي قطعنا الاحكام قطعا، وفي هذا الاسم ما ينبئ عن شدة الرعاية في الحفظ لأنه مقطوع به وما ينبئ عن التخفيف لأنه مقدر متناه كيلا يصعب علينا أداؤه، ويسمى مكتوبة أيضا لأنها كتبت علينا في اللوح المحفوظ. وبيان هذا القسم في الايمان بالله تعالى، والصلاة والزكاة والصوم والحج، فإن التصديق بالقلب