فزعم مخالفونا أن ذلك منسوخ بآية المواريث لقول النبي عليه السلام حين نزلت آية المواريث إن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث فأخبر أن الوصية للوارث منسوخ بآية المواريث كما لو قال لا وصية لوارث لأنه قد جعل له الميراث كان معقولا أن الناسخ للوصية هو استحقاق الميراث لا قوله لا وصية لوارث والجواب إن ما ذكره من ذلك لا يوجب كون الميراث ناسخا للوصية وذلك أنه لا يمتنع اجتماع الميراث والوصية في حال واحدة لشخص واحد وآية المواريث إنما فيها إيجاب الميراث بعد الوصية لقوله تعالى من بعد وصية يوصى بها أو دين فلو خلينا والآيتين لجمعنا لهما بين الميراث والوصية لأن كل حكمين يجوز اجتماعهما في حال واحدة لشخص واحد فليس في ورود أحدهما بعد الآخر ما يوجب نسخه على ما بيناه فيما سلف فوجب على هذا متى وجدنا حكمين قد نسخ أحدهما عند إيجاب الآخر مما يصح اجتماعه أن يقول إن النسخ واقع بغيره لأنا لو خلينا وإياهما لما أوجبنا نسخا وقوله عليه السلام إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث لا يوجب ما ذكروه لأن آية الميراث إذن لم توجب نسخ الوصية لما بينا فليس يجوز أن يقول النبي عليه السلام إنها هي الناسخة لها وأما قولهم إن هذا بمنزلة قوله لو قال لا وصية لوارث لأن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه فإنا لو سلمنا لهم ذلك لم يدل على ما قالوا لأنه لا يمتنع أن يقول لا وصية لوارث لأن الله قد أعطى الميراث فنسخ وصيته بوحي من عنده لا بآية الميراث فإذا لم يكن هذا ممتنعا بل يكون سائغا جائزا لم يجز لنا أن نقول إن هذا القول يقتضي كون الوصية منسوخة بالميراث وإنما معنى ذكره عليه السلام الميراث عند ذكر نسخ الوصية أنه والله أعلم أراد أن يبين أنه وإن حرم حظه من الوصية فإنه قد أعطي من حظ الميراث ما
(٣٥٩)