بالتوجه إلى الكعبة ما يدل على أنهم كانوا مأمورين بها في حال دون حال وهو قوله تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله وظاهر الآية يقتضي جواز التوجه إلى سائر الجهات إلا أنه لما كان قوله تعالى فول وجهك شطر المسجد الحرام يقتضي لزوم التوجه إليه حتما كان قوله تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله مستعملا في حالتي الخوف والسفر للتنقل على الراحلة اللتين صلى النبي عليه السلام فيهما إلى غير الكعبة ولا يجوز أن يقال في مثل هذا أنه نسخ كما لا يقال في قوله تعالى حرمت عليكم أمهاتكم أنه ناسخ لبعض ما انتظمه قوله تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء وما جرى مجرى ذلك من الآي الخاصة والعامة وعلى أنه لو كان ناسخا لكان نسخ القرآن بقرآن وهو قوله تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله وقد روى عبد الملك بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي تطوعا حيث توجهت به راحلته وهو يأتي من مكة إلى المدينة قال ابن عمر وأنا أصلي حيث توجهت بي راحلتي تطوعا ثم تلا ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله وقال في هذا نزلت هذه الآية فأخبر ابن عمر أن هذه الآية هي التي أباحت الصلاة في هذه الحال إلى غير الكعبة فلا يخلو من أن يكون خصت الآية التي فيها الأمر باستقبال الكعبة عاما أو نسختها وأي الوجهين كان فلا دلالة فيه على نسخ القرآن بالسنة وأما قول الشافعي وغيره ممن قال ذلك من أصحابنا إن صلاة الخوف لم تكن نزلت يوم الخندق وقد كانوا مأمورين في حال الخوف بالتوجه إلى الكعبة فلذلك لم يصلها يومئذ
(٣٦٣)