أولى منه بالنهي حتى إذا ورد النهى علمت أنه لم يرد الأمر الإيجاب فهذا قول مردود خارج عن أقاويل الأمة إذ ليس أحد منهم يجوز أن يكون المراد بالأمر النهي وإن كان ممن يقول إن الأمر يقتضي إيقاع الفعل على أحد الوجوه التي اختلف الناس فيه فغير جائز أن يكون معلقا بشرط ألا ينسخ لأن اللفظ قد اقتضى إيقاعه على جهة الإيجاب أو الندب فلا يجوز أن يجعل معلقا بشرط ولا مقيدا بوصف غير مذكور في اللفظ كما يقول في ألفاظ العموم والحقائق أنها متى وردت مطلقة كانت مقتضية لأحكامها الموضوعة لها في أصل اللغة ولزمنا بها اعتقاد موجب صيغتها ثم غير جائز أن ترد بعد أن استقر حكمها على ما اقتضته صورتها بحصول الفراغ فيها غير مقيد بشرط ولا وصف أن المراد بها غير ما اقتضته حقيقة لفظها فكذلك الأمر إذا ورد مطلقا مقتضيا لفعل المأمور به في الوقت المذكور فغير جائز أن يجعل مقيدا بشرط ألا ينسخ وهذا الذي ذكرناه في هذا الفصل إنما هو كلام في نفي إثبات الشرط في الأمر المطلق العاري من الشرط على حسب ما ذكره السائل وسنتكلم بعد هذا في أنه لا يجوز ورود الأمر مقيدا بهذا الشرط فإن قال قائل أليس لو قال الله تعالى لنا صلوا الظهر في مستقبل أعماركم أو صوموا شهر رمضان في مستقبل السنين كان الواجب علينا اعتقاد وجوبه في مستقبل الأوقات مكررا ثم جائز مع ذلك عندك ورود نسخه بعد التمكين من فعل أدنى ما يقتضيه اللفظ فلم أنكرت أن يجوز ورود النسخ فيه قبل مجئ وقته والتمكن من فعل شئ منه كما أجزت وروده فيما يستقبل من فعل الصلاة والصوم على الوجه الذي بيناه قيل له ليس هذا مما ذكرناه في شئ وذلك لأن ورود الأمر على هذه الصفة مقارن لجواز نسخه بعد التمكين من أدنى فعل ما تناوله اللفظ ما دام النسخ قائما ببقاء النبي صلى الله عليه وسلم فإذا ورد النسخ علمنا أن الفرض كان المقدار الذي وقع التمكين منه إلى وقت
(٢٣٥)