التفريط الذي ذهب إليه الأخباريون، فان كلا منهما انحراف عن الجادة، وقد أمرنا بالطريقة الوسطى والصراط المستقيم.
وقد ألف وصنف أصحابنا الإمامية رضوان الله تعالى عليهم في أصول الفقه كتبا وزبرا مفصلة، ومتوسطة، ومختصرة - قديما وحديثا - فشكر الله مساعيهم الجميلة فرتبوا فصوله، ونقحوا مسائله، وشيدوا أركانه.
ولكن في كثير منها بعض مسائل لا يكاد ينفع المفتي في فتواه، والمجتهد في استنباطه، والحاكم في قضائه، بل ربما يقع المتدرب في الاجتهاد في الحيرة والضلالة، فكم قد سهر رواد العلم ليال فيها، وصرفوا أوقاتهم الشريفة في معرفتها كالبحث عن مقدمات الانسداد مثلا، فكم حققوا في مقدماتها؟!!، وبحثوا في مجراها بحيث يصعب فهمها إلا للأوحدي من المشتغلين من طلاب العلوم الإسلامية.
ثم بحثوا في أن مقتضى مقدماتها هل هي حكم العقل بحجية الظن مطلقا، أو كشفه عن حجية الظن شرعا؟
ثم تكلفوا في بيان الثمرات المترتبة على حجية الظن على الحكومة أو على الكشف، مع أن بابي العلم والعلمي بمصراعيهما مفتوحان فنحن في غنى عن جريان مقدمات الانسداد وثمراتها.
وكالبحث عن المعاني الحرفية بأدق معانيها، والبحث عن مباحث المشتق بتفاصيلها غير النافعة... إلى غير ذلك من المباحث.
ومن المؤسف جدا ما يشاهد في زماننا وعصرنا هذا أن بعض أساتذة علم الأصولية يطنب في المباحث الأصولية، بحيث يستوعب درسه سنين متمادية من أوقات رواد العلم والمحصلين في مباحث الألفاظ، بل سنين في مقدمات المباحث الأصولية مع أنه كما أشرنا أن علم الأصولية من العلوم الآلية لا الأصلية، فلابد من الاقتصاد في طرح مسائلها، والاقتصار على ما ينفع الباحث في الفقه منها، وما يتوقف استنباط