والسكون لا يخلو من أن يكون موجودا لأحدهما دون الآخر أو موجودا لكل منهما في نفسه وبقطع النظر عن الآخر وعلى الثاني فإما أن يكونا متساويين اقتضاء ويكون أحدهما أقوى من الآخر ولا رابع في البين فعلى الأول يكون عدم الضد الآخر مستندا إلى عدم مقتضيه وعلى الثاني فاقتضاء كل منهما أثره مقيد بعدم اقتضاء الآخر على أساس أن اقتضاء كل منهما يزاحم اقتضاء الآخر بنفس المستوى فإذن لا محالة يكون تأثير كل منهما أثره منوط بعدم تأثير الآخر.
النقطة الرابعة عشر: أن ما ذكر من التفصيل بين الضد الموجود والضد المعدوم وإن الأول لا يتوقف على الثاني بينما الثاني يتوقف على ارتفاع الأول واعدامه مبني على نقطة خاطئة وهي إن سر حاجة الأشياء إلى مبدأ العلية كامنة في حدوثها وهو وجودها الأول لا في إمكانها الوجودي وفقرها الذاتي.
وقد تقدم أن نظرية الحدوث نظرية خاطئة جدا ولا واقع موضوعي لها لأنها أسرفت في تحديد مبدأ العلية بحدوث الأشياء واستغنائها عنها بقاء ومن الواضح أن ذلك بالتحليل لا يرجع إلى معنى معقول بل هو خلاف الضرورة.
النقطة الخامسة عشر: قد يستدل على نظرية الحدوث بظواهر مجموعة من الأشياء الكونية التي تكشف عن استمرار وجود المعلول بعد زوال العلية كالعمارات والبنايات وغيرهما من الأشياء المستحدثة بجهود فن العمال والفنيين فإنها تبقى بعد انتهاء علتها وهي عملية البناء أو كالجبال والبحار والكواكب في هذا الفضاء الهائل فإنها تبقى بعد حدوثها بدون علة مباشرة لها.
والجواب أن في هذا الدليل خلط بين علة حدوثها وعلة بقائها فإن علة حدوثها حركات أيدي العمال والفنانين والمهندسين وأما علة بقائها إلى أمد بعيد بعد انتهاء عملية البناء أمران: