لكن فيه - مع الغض عن الإشكال بل الإشكالات في دلالتها - أنها ليست بصدد جعل ما ذكر، بل بصدد جعل وجوب العمل على طبقه، وإنما المتبينية الذاتية التي له جهة تعليلية لوجوب العمل على طبقه. تدبر تعرف.
وثالثا: أن الحجية والوسطية في الإثبات والكاشفية وأمثالها لا تنالها يد الجعل تأصلا.
أما الحجية بمعنى صحة الاحتجاج وقاطعية العذر فواضح، فإنها أمر تبعي محض متأخر عن جعل تكليف أو وضع، وليس نفس صحة الاحتجاج وقاطعية العذر من الاعتبارات الاستقلالية للعقلاء، وذلك واضح.
وأما الطريقية والوسطية في الإثبات والكاشفية والحجية التي بمعنى الوسطية في الإثبات: فلأن كل واحد من تلك المعاني مما لا يمكن جعله، فإن إعطاء جهة الكاشفية والطريقية كما لا يمكن لما لا يكون له جهة كشف وطريقية، كذلك تتميم الكاشفية وإكمال الطريقية لا يمكن جعلهما لما هو ناقص الكاشفية والطريقية، فكما أن الشك غير قابل لإعطاء صفة الكاشفية والطريقية عليه - كما اعترف به (1) قدس سره - كذلك ما ليس له تمام الكاشفية ويكون هذا النقصان ذاتيا له لا يمكن جعل التمامية له، وكما أن اللا كاشفية ذاتية للشك لا يمكن سلبها عنه، كذلك النقص ذاتي للأمارات لا يمكن سلبه عنها، فما هو تحت يد الجعل ليس إلا إيجاب العمل بمفادها تعبدا والعمل على طبقها وترتيب آثار الواقع عليها، ولما كان ذاك التعبد بلسان تحقق الواقع وإلقاء احتمال الخلاف عملا،