ثم جعلوا التورية العرفية نكتة أخرى، وغيروا اسمهما إلى الموارية مع ضم ما ليس من بابها إليها، مع أن الإنصاف أن لفظ التورية بالعرفية ألصق، وهي بها أحق لأنها من ورى الحديث إذا أخفاه (1)، ولا إخفاء في البديعية أصلا، بخلاف العرفية، كما عرفت.
ولا بد لنا في توضيح ما ادعيناه من الفرق بين التوريتين، وكون اللفظ في البديعية مستعملا في المعنيين، من ذكر بعض الشواهد ليرى السامع بالعيان صحة ما أوضحناه بساطع (2) البرهان.
قال سراج الدين الوراق - وقد اجتمع برئيسين يلقب أحدهما بشمس الدين والآخر ببدر الدين، ثم فارقهما -:
لما رأيت الشمس والبدر معا * قد انجلت دونهما الدياجي حقرت نفسي ومضيت هاربا * وقلت: ما ذا موضع السراج فلفظ السراج يحمل على معناه اللقبي إذا حمل لفظ الشمس والبدر عليهما، ويكون المعنى أنه لا موضع له معهما لانحطاط رتبته عنهما، وعلى ما يستضاء به إذا حمل اللفظان على النيرين، ويكون المعنى أن السراج لا ضوء له معهما، والمعنيان كما ترى متكافئان (3) أو متقاربان، واللفظ مستعمل قطعا، وحمل اللفظ على أحدهما يذهب برونقه ويحط من قدره، على أنه ترجيح بلا مرجح (3).
وقوله (4) أيضا:
فها أنا شاعر سراج فاقطع لساني أزدك نورا