يصادم الوجدان، ويزعم إهمال الألفاظ الثلاثة أعني: العين والمعشوق والفجر، وعدم استعمالها في معنى أصلا، ولازمه انعدام معنى كل بيت بأجمعه، ضرورة توقف معاني سائر ألفاظه على وجود المعنى للقافية، أو يلتزم باستعمالها في أحد المعاني، ولا يكترث بامتناع الترجيح بلا مرجح، وحينئذ تلزم اللغوية في سائر ألفاظ البيت؟ فلو حمل - مثلا - لفظ العين في البيت الأول على إرادة الشمس صلح أول البيت، ولزم اللغو في سائر ألفاظه، أو المعشوق في الثاني على المعنى الاشتقاقي لم يبق معنى لقوله: أي المكان تروم، وكذلك حمل الفجر - في الثالث - على الصبح يلزم منه محذور اللغوية في قوله: وما لها. وهكذا، وكأني به ولا يقول بهذا ولا بذاك، بل يؤولها إلى إرادة المسمى وهو من أبرد التأويل، وستعرف الكلام فيه قريبا إن شاء الله.
وإذا انتهيت إلى التورية البديعية، وفرقت بينها وبين التورية العرفية، ولم تقع فيما وقع فيه علماء البديع من الخلط بينهما، ونخلتها (1) من الشواهد الغريبة التي ليست من بابها فقد انتهيت إلى ما يزيح عنك كل ريب، ولا يدع لك مجالا للشبهة فيما قلناه. واتضح لديك أن هذه النكتة التي هي من أجل صنائع البديع مبنية على استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد، وتفصيل القول لا يناسب موضوع هذا الكتاب، وقد أوضحت جميع ذلك في رسالتي التي سميتها: (السيف الصنيع لرقاب منكري البديع) وشرحته فيها شرحا كافيا.
ومجمل القول هنا: أن علماء البديع جعلوا مبنى التورية على لفظ يكون له معنيان: أحدهما قريب، والآخر بعيد، فيقصد المتكلم المعنى البعيد، ويوهم السامع القريب، وهذا إنما يناسب التورية العرفية وهي التي يسميها العرب