أن لحاظه هكذا في إرادة معنى ينافي لحاظه كذلك في إرادة الآخر، حيث إن لحاظه كذلك لا يكاد يكون إلا بتبع لحاظ المعنى فانيا فيه فناء الوجه في ذي الوجه، والعنوان في المعنون، ومعه كيف يمكن إرادة معنى آخر معه كذلك في استعمال واحد مع استلزامه للحاظ آخر غير لحاظه كذلك في هذا الحال.
وبالجملة، لا يكاد يمكن في حال استعمال واحد لحاظه وجها لمعنيين، وفانيا في الاثنين إلا أن يكون اللاحظ أحول العينين» (1) انتهى.
أقول: وهذان الكلامان (2) مغزاهما (3) واحد، وهو إثبات درجة رفيعة للاستعمال فوق ما نعرفه من الكشف عن المراد، والدلالة على المعنى بواسطة الوضع فكأنه كلام (4) أخذ من كتب أهل المعقول فجعل في غير موضعه من كتب الأصول، ولا أظن الوالد، ولا هذا الأستاذ ينازعان في إمكان الكشف عن المراد بغير هذا الطريق الذي سمياه استعمالا، بل على نحو العلامة الذي صرح بجواز جعله لأشياء متعددة، ونحن لا نتصور قسمين للإفهام يسمى أحدهما استعمالا، ويكون إلقاء للمعنى، وفناء للفظ فيه، ونحو ذلك من التعبير، ويسمى الآخر علامة تدل على المراد، فإذا ضممت إلى ذلك ما عرفت من أن الإفهام في المحاورات ليس إلا بجعل الألفاظ علائم للمعاني، ارتفع النزاع بيننا وبينه، وصحت لنا دعوى الاتفاق على الإمكان حتى في متعارف المحاورات، ولم يبق إلا النزاع في تسمية ذلك بالاستعمال وعدمها، وهذا نزاع لفظي بحت لا طائل تحته،