فإن كان مع التمكن من الحجة عندهم كخبر الثقة، فاعتماد العقلاء على الظن ممنوع، فلو فرض أن أحدهم نصب طريقا لعبده في امتثال أوامره، وصرح له بأنه جعل خبر فلان حجة عليه، أتراه يعذره إذا ترك الأخذ به، واعتمد على ظنونه؟.
وأما مع عدم التمكن منه، فلا شك في جميع ما ذكره حتى فيما استعاذ منه هنا، وفي مواضع اخر، أعني تعين الامتثال بالاحتمال إذا فقدت الطرق الظنية.
والحاصل، أن جميع ما مر من كلامه، وشطرا مما يأتي منه يرد على صاحب الفصول لو أراد وجوب نصب الطريق غير العقلائي عقلا، ويصح ما ذكره في دفع ما يقال من أن منع نصب الطريق لا يجامع القول ببقاء التكليف، وأما مع كون المراد ما يعم الجعل والإمضاء، فلا سبيل إلى منع قبح التكليف، وحكم العقل بالعمل بالظن مع عدم الطريق الخاص لا يرفع وجوب نصب الطريق على الشارع.
ولقد حمل بعض تلامذة الشيخ نصب الطريق في كلام صاحب الفصول على غير ذلك، فأطنب بل أفرط في الاعتراض عليه.
وقد أنصف الأستاذ في الحاشية حيث لم ينكر كون المراد من الطرق الخاصة ما يعم ما نصبها من الطرق المتعارفة بين العقلاء إمضاء لسيرتهم ولو بعدم الردع عنه، قال: «ومعه لا مجال لعدم نصبها، ودعواه بينة، وإنكاره مكابرة» (1).
وما ذكره من اعتراف صاحب الفصول بما نقله عنه فلم يظهر لي ارتباطه بالمقام إلا بتكلف، فهل كان المتوقع منه أن يقول بلزوم نصب الطريق إلى تلك الطرق، فيلزمه لزوم نصبه إلى طريق الطريق وهكذا إلى ما لا نهاية له؟ عاد كلامه طاب ثراه: «وربما يستشهد للعلم الإجمالي بنصب الطريق