وأما الذي قصده فهو بمعزل عن هذا التفسير، وما أوردوه بمعزل عن مراده بل أراد أمرا واضح الصحة بعد البيان، فإنه بعد ما أوضح عدم اجتماع الضدين بقوله: «فيكون للخروج إلى ما قبل الدخول وما بعده حكمان - إلى قوله - باعتبار الحالين» (1) في كلامه السابق نقله، أراد بيان أمر ربما يخفى على بعض الأذهان، وهو تصور انقلاب الغصب المبغوض المحرم إلى المحبوب الواجب، وقد كان قبل انطباق عنوان الخروج مبغوضا وحراما ومشمولا للنهي، فبين جوابه بقوله: «ولو كانت مبغوضية شيء في زمان مضادة لمطلوبيته في زمان لامتنع البداء في حقنا مع وضوح جوازه» (2) وأوضحه بالبداء عندنا لا عنده تعالى فإنه على ما ذكر في محله: إبداء بعد الإخفاء، فإن أحدنا إذا عزم على التوطن في بلد طول عمره، ثم بدا له بعد سنة لظهور أمر خفي عليه فعزم على المسافرة.
وفي الإرادة التشريعية لو أمر ولده به، ثم بدا له لذلك، لا شك أن العزم الأول والإرادة الأولى كانا شاملين للزمان الذي بدا له فيه، وإلا لم يكن بداء، بل كان نسخا أو تقييدا.
فانظر رعاك الله، هل تجد فيه مغمزا أو مجالا لقول الفاضل المقرر:
«اختلاف الزمان إنما يجدي في دفع التناقض فيما إذا كانت القضية السالبة واقعة في أحدهما، والموجبة في الآخر، مثل قولك: زيد قائم أمس وليس بقائم في الغد.
وأما إذا كان الزمان على وجه لو اعتبر في الفعل، يصير عنوان الفعل مغايرا للعنوان الذي كان وجها للفعل وعنوانا له فلا يعقل أن يكون اختلاف الزمان في مثله رافعا للتناقض» (3).