ثم أوضحه بما يكاد أن يكون تكرارا لاعتراضه الأول، وأراك قد علمت أن الفصول لم يرد باختلاف الزمانين الجواب عن التناقض الذي يحاولون إلزامه به، أعني اجتماع الضدين في الخروج، فإنه قد أجاب عنه أولا بكون النهي مطلقا، والأمر مشروطا، وإنما أراد به ما نبهناك عليه من إمكان كون شيء محكوما بحكمين في زمانين.
كما أجاب عن اعتراض ربما يورد عليه وهو انتفاء الموصوف في الزمن السابق، فقال: «لوجوده في علم العالم ولو بوجهه الذي هو نفسه بوجه» (1).
فهو كما قيل: إذا قال لم يترك مقالا لقائل، لا يرى ثلمة في كلامه إلا سدها، ولا بابا للاعتراض إلا أغلقه، فكل من هذه الجمل الثلاث جواب عن اعتراضات ثلاثة، والفاضل المقرر وموافقوه جعلوه جوابا للتناقض، فقال ما سمعت أولا.
وقال ثانيا: «فلأنا لو سلمنا أن اختلاف الزمان يجدي في دفع التناقض في المقام، إنه قد قرر في محله أن اختلاف نفس الزمان من دون أن يكون رجوعه إلى اختلاف عنوان الفعل لا يصلح لأن يكون وجها لتعلق النهي والأمر بشيء واحد شخصي» (2) إلى آخره.
على أن اختلاف العنوان حاصل، وهو التخلص الذي جعله في مذهبه عنوان الوجوب، ولعله أمر بالتأمل لأجله، فتأمل.
أما قوله ثالثا: «فلأن القول بإجداء اختلاف الزمان ينافي ما هو بصدده من إجراء حكم النهي السابق عليه، كيف وقد فرض اختصاص النهي بالزمان السابق» (3).