وحكى عن ابن عباس انه كان يذهب إلى أنه يجوز تأخيره عن حال الخطاب وذلك مستبعد من قوله (1).
والذي يدل على صحة ما قلناه:
أولا: ان أهل اللغة لا يعدون ما انفصل عن الكلام استثناء كما لا يعدون ما تقدم كذلك فلو جاز لاحد أن يخالف في المتأخر فيسميه استثناء جاز لغيره أن يخالف في المتقدم فيسميه استثناء!
ويدل أيضا: على أن الاستثناء متى انفصل عن حال الخطاب لا يفيد أصلا فكيف يجوز أن يكون استثناء من الكلام المتقدم؟
فان قالوا: الاستثناء إذا تأخر ولا يستقل بنفسه فلا يفيد فإنه يجوز أن يقرن به من الكلام ما يدل على أنه متعلق بالكلام الأول فيفيد ويتعلق به.
قيل له: إذا كان لا يفيد بنفسه وانما يتعلق بالكلام الأول بلفظ يقترن به فقد صار المخصص للكلام الأول اللفظ الذي اقترن بالاستثناء وإذا كان كذلك فلا معنى للاستثناء وكان استعماله لغوا.
وليس لهم أن يقولوا: ان القائل إذا قال: (رأيت القوم) ثم قال بعد زمان: (الا زيدا) وقال أردت بهذا استثناؤه من اللفظ الأول أفاد انه غير داخل في الجملة الأول ولو لم يذكر الاستثناء أصلا واقتصر على هذا القول المقترن به لما أفاد ذلك