ولهذا لا يقولون لمن خاطب بالعموم وأراد به بعض ما يتناوله: انه مخاطب بالخصوص ولا انه خص الخطاب كما يقولون ذلك في الألفاظ الخاصة فعلم أن ذلك مجاز.
فاما إذا قيل: (فلان خص العموم) فالمراد بذلك انه علم من حالة المخصوص بدليل دله على ذلك. ويقال فيمن اعتقد ذلك أيضا فيه وان لم يكن اعتقاده علما.
وقد استعمل كثير من الفقهاء لفظ التخصيص فيما ليس بعام إذا علم بالدليل انه عام مثل الافعال وغيرها ونحن نبين ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى.
ويفارق قولنا: (ان العام مخصوص) لقولنا: (ان الخطاب منسوخ) في الحكم والحد جميعا وقد ظن بعضهم انهما سواء وذلك خطأ من وجوه:
لان حد التخصيص: ما دل على أن المراد باللفظ بعض ما يتناوله دون بعض.
وحد النسخ: ما دل على أن مثل الحكم الثابت بالخطاب زائل في المستقبل على وجه لولاه لكان ثابتا بالخطاب الأول مع تراخيه عنه.
فحدهما مختلف على ما ترى.
ولأن التخصيص يؤذن بان المراد بالعموم عند الخطاب ما عداه والنسخ يحقق ان كل ما تناوله اللفظ كان مرادا في حال الخطاب وان كان غير مراد في ما عداه.
وأيضا: فان من حق التخصيص ألا يصح الا فيما تناوله اللفظ والنسخ قد يصح فيما علم بالدليل انه مراد منه وان لم يتناوله اللفظ.
وأيضا: فان النسخ يدخل في النص على عين واحدة والتخصيص لا يدخل فيه.
وأيضا: فالنسخ في الشرع لا يقع بأشياء يقع التخصيص بها نحو أدلة العقل والأدلة المتصلة بالخطاب من الاستثناء وغيرها من اخبار الآحاد والقياس والأدلة المستنبطة عند من أجاز التخصيص بها والتخصيص قد لا يقع ببعض ما يقع به النسخ.
فعلم بجميع ذلك ما مفارقة التخصيص النسخ.