تقية - فلذا لم يكن لهما المقام اللائق في تطور تأريخ الفقه، وإن كانت تعد هذه الدورة مهمة في رشد ونمو الفقه من خلال تدوين هذه المجاميع القيمة الحديثية.
والملاحظ، أنا نجد في أواسط القرن الرابع الهجري تحولا ملحوظا في الأسلوب الفقهي، وذلك بدخول الاستدلال العلمي بشكل مؤثر لاستنباط الأحكام الجزئية، وإعمال الصناعة العلمية بديلا عن الاقتصار على نقل النصوص الحديثية، ولعل منشأ هذا التحول - بل الانقلاب - هو تتلمذ الشيخ الأعظم، الفقيد المفيد - رضوان الله عليه - على يدي العلمين: ابن الجنيد، وابن قولويه، اللذين كانا يمثلان قطبين متضادين في عصر واحد، مما أولد شخصية نادرة وثمينة مثل الشيخ المفيد الذي يتمتع بمثبتات هذا التقارن، الذي هو بدوره - عدا ماله من أفضال علمية وعملية للطائفة الحقة الإمامية - قد نشأ وتربى في مدرسته الأعاظم، أمثال: السيد المرتضى، والشيخ الطوسي اللذين وفقا - وبجدارة - ولأول مرة إلى تفكيك المبادئ الأصولية عن القواعد الفقهية، وسلطا الأضواء عليهما وبشكل مستقل ومنحاز، تدوينا وتدريسا، ونقدا وتحكيما.
وكان وليد ذلك، تفريع الفروع الفقهية وبسطها، ومعارضتها بالآراء الفقهية عند العامة، الذي يعد بذرة لتأسيس الفقه المقارن، وهذان الأثران العظيمان يظهران بشكل بارز في الفقه الشيعي في كتاب " المبسوط "، " والخلاف " لشيخ الطائفة، الذي يعد بحق رائد هذه المسيرة المباركة خلال تلك البرهة.
وها هو الشيخ الأعظم يحدثنا في مقدمة " مبسوطه " كيف انتزع الفقه من البساطة ونقل النصوص! مما كان له أثر كبير في استنقاذ الخط العلمي للمذهب الشيعي من تنقيص العامة له، وتجميع القدرات والإمكانات الكامنة بالقوة في أصول الاستنباط إلى مرحلة الفعلية، وبكل جرأة وشجاعة، وذلك بإثبات القولة