الضعيف على القوي لا يجوز. والثاني: أنه روي في الخبر أنه عليه الصلاة والسلام قال: " إذا روي حديث عني فاعرضوه على كتاب الله تعالى فإن وافقه فاقبلوه وإن خالفه فردوه "، دل هذا الخبر على أن كل خبر ورد على مخالفة كتاب الله تعالى فهو مردود، فهذا الخبر لما ورد على مخالفة عموم الكتب وجب أن يكون مردودا. الوجه الثاني: في دفع هذه الأخبار، وهو أنها أخبار آحاد وردت في واقعة تعم الحاجة إلى معرفة حكمها فوجب كونها مردودة، إنما قلنا: إن الحاجة إليها عامة لأن أكثر الصحابة كانوا في أكثر الأوقات في السفر وفي الغزو، فلما كانت رخص السفر مخصوصة بسفر مقدر، كانت الحاجة إلى مقدار السفر المفيد للرخص حاجة عامة في حق المكلفين، ولو كان الأمر كذلك لعرفوها ولنقلوها نقلا متواترا، لا سيما وهو على خلاف ظاهر القرآن، فلما لم يكن الأمر كذلك علمنا أن هذه أخبار ضعيفة مردودة، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يجوز ترك ظاهر القرآن بسببها. الثالث: أن دلائل الشافعية ودلائل الحنفية صارت متقابلة متدافعة، وإذا تعارضت تساقطت، فوجب الرجوع إلى ظاهر القرآن، هذا تمام الكلام في هذا الموضع. والذي عندي في هذا الباب أن يقال: إن كلمة (إذا) وكلمة (إن) لا يفيدان إلا كون الشرط مستعقبا لذلك الجزاء في جميع الأوقات فهذا غير لازم، بدليل أنه إذا قال لامرأته: إن دخلت الدار، أو إذا دخلت الدار فأنت طالق، فدخلت مرة وقع الطلاق، وإذا دخلت الدار ثانيا لا يقع وهذا يدل على أن كلمة (إذا) وكلمة (إن) لا يفيدان العموم البتة، وإذا ثبت هذا سقط استدلال أهل الظاهر بالآية، فإن الآية لا تفيد إلا أن الضرب في الأرض يستعقب مرة واحدة هذه الرخص وعندنا الأمر كذلك فيما إذا كان السفر طويلا، فأما السفر القصير فإنما يدخل تحت الآية لو قلنا أن كلمة (إذا) للعموم، ولما ثبت أنه ليس الأمر كذلك فقط سقط هذا الاستدلال، وإذا ثبت هذا ظهر أن الدلائل التي تمسك بها المجتهدون بمقدار معين ليست واقعة على خلاف ظاهر القرآن فكانت مقبولة صحيحة، والله أعلم.
المسألة السادسة: زعم داود وأهل الظاهر أن جواز القصر مخصوص بحال الخوف. واحتجوا بأنه تعالى أثبت هذا الحكم مشروطا بالخوف، وهو قوله * (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) * والمشروط بالشيء عدم عند عدم ذلك الشرط، فوجب أن لا يحصل جواز القصر عند الأمن. قالوا: ولا يجوز رفع هذا الشرط بخبر من أخبار الآحاد، لأنه يقتضي نسخ القرآن بخبر الواحد وإنه لا يجوز، ولقد صعب هذا الكلام على قوله ذكروا فيه