بالآخرة يستولي عليهم ويقهرهم، ثم حكى تعالى عنهم سائر جهالاتهم وإصرارهم على أباطيلهم: فأحدها: أنه تعالى رفع فوقهم الطور بميثاقهم، وفيه وجوه: الأول: أنهم أعطوا الميثاق على أن لا يرجعوا عن الدين. ثم رجعوا عنه وهموا بالرجوع، فرفع الله فوقهم الطور حتى يخافوا فلا ينقضوا الميثاق. الثاني: أنهم امتنعوا عن قبول شريعة التوراة فرفع الله الجبل فوقهم حتى قبلوا، وصار المعنى: ورفعنا فوقهم الطور لأجل أن يعطوا الميثاق بقبول الدين. الثالث: أنهم أعطوا الميثاق على أنهم إن هموا بالرجوع عن الدين فالله يعذبهم بأي نوع من أنواع العذاب أراد، فلما هموا بترك الدين أظل الله الطور عليهم وهو المراد من قوله * (ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم) *. وثانيها: قوله: * (وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا) * ومضى بيانه في سورة البقرة. وثالثها: قوله * (وقلنا لهم لا تعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: * (لا تعدوا في السبت) *، فيه وجهان: الأول: لا تعدوا باقتناص السمك فيه قال الواحدي: يقال عدا عليه أشد العداء والعدو والعدوان، أي ظلمه وجاوز الحد، ومنه قوله * (فيسبوا الله عدوا) * (الأنعام: 108) الثاني: لا تعدوا في السبت من العدو بمعنى الحضر، والمراد النهي عن العمل والكسب يوم السبت، كأنه قال لهم: اسكنوا عن العمل في هذا اليوم واقعدوا في منازلكم فأنا الرزاق.
المسألة الثانية: قرأ نافع * (لا تعدوا) * ساكنة العين مشددة الدال، وأراد: لا تعتدوا، وحجته قوله * (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت) * (البقرة: 65) فجاء في هذه القصة بعينها افتعلوا، ثم أدغم التاء في الدال لتقاربهما ولأن الدال تزيد على التاء في الجهر، وكثير من النحويين ينكرون الجمع بين الساكنين إذا كان الثاني منهما مدغما ولم يكن الأول حرف لين نحو دابة وشابة، وقيل لهم، ويقولون: إن المد يصير عوضا عن الحركة، وروى ورش عن نافع * (لا تعدوا) * بفتح العين وتشديد الدال، وذلك لأنه لما أدغم التاء في الدال نقل حركتها إلى العين، والباقون * (تعدوا) * بضم الدال وسكون العين حقيقة.
المسألة الثالثة: قال القفال: الميثاق الغليط هو العهد المؤكد غاية التوكيد، وذلك بين فيما يدعونه من التوراة