قوله عليه الصلاة والسلام: " وإنما لك امرئ ما نوى " وأيضا ما روي في قصة جندب بن ضمرة، أنه لما قرب موته أخذ يصفق بيمينه على شماله، ويقول: اللهم هذه لك، وهذه لرسولك أبايعك على ما بايعك عليه رسولك، ثم مات فبلغ خبره أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: لو توفي بالمدينة لكان خيرا له، فنزلت هذه الآية.
المسألة الثانية: قالت المعتزلة: هذه الآية تدل على أن العمل يوجب الثواب على الله، لأنه تعالى قال: * (فقد وقع أجره على الله) * وذلك يدل على قولنا من ثلاثة أوجه: أحدها: أنه ذكر لفظ الوقوع، وحقيقة الوجوب هي الوقوع والسقوط، قال تعالى: * (فإذا وجبت جنوبها) * (الحج: 26) أي وقعت وسقطت. وثانيها: أنه ذكر بلفظ الأجر، والأجر عبارة عن المنفعة المستحقة، فأما الذي لا يكون مستحقا فذاك لا يسمى أجرا بل هبة. وثالثها: قوله: * (على الله) * وكلمة * (على) * للوجوب، قال تعالى: * (ولله على الناس حج البيت) * (آل عمران: 97) والجواب: أننا لا ننازع في الوجوب، لكن بحكم الوعد والعلم والتفضل والكرم، لا بحكم الاستحقاق الذي لو لم يفعل لخرج عن الإلهية، وقد ذكرنا دلائله فيما تقدم.
المسألة الثالثة: استدل قوم بهذه الآية على أن الغازي إذا مات في الطريق وجب سهمه من الغنيمة، كما وجب أجره. وهذا ضعيف، لأن لفظ الآية مخصوص بالأجر، وأيضا فاستحقاق السهم من الغنيمة متعلق بحيازتها، إذ لا تكون غنيمة إلا بعد حيازتها، قال تعالى: * (واعلموا أنما غنمتم من شيء) * (الأنفال: 41) والله أعلم.
ثم قال تعالى: * (وكان الله غفورا رحيما) * أي يغفر ما كان منه من القعود إلى أن يخرج، ويرحمه بإكمال أجر المجاهدة.
* (وإذا ضربتم فى الارض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلوة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا) *.
اعلم أن أحد الأمور التي يحتاج المجاهد إليها معرفة كيفية أداء الصلاة في زمان الخوف، والاشتغال بمحاربة العدو؛ فلهذا المعنى ذكره الله تعالى في هذه الآية، وههنا مسائل:
المسألة الأولى: قال الواحدي: يقال قصر فلان صلاته وأقصرها وقصرها، كل ذلك جائز