المسألة الرابعة: قالت المعتزلة: دلت هذه الآية على أن العبد قد يحتج على الرب، وأن الذي يقوله أهل السنة من أنه تعالى لا اعتراض عليه في شيء، وأن له أن يفعل ما يشاء كما يشاء ليس بشيء قالوا: لأن قوله * (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) * يقتضي أن لهم على الله حجة قبل الرسل، وذلك يبطل قول أهل السنة.
والجواب: المراد لئلا يكون للناس على لله حجة أي ما يشبه الحجة فيما بينكم. قالت المعتزلة: وتدل هذه الآية أيضا على أن تكليف ما لا يطاق غير جائز لأن عدم إرسال الرسل إذا كان يصلح عذرا فبأن يكون عدم المكنة والقدرة صالحا لأن يكون عذرا كان أولى، وجوابه المعرضة بالعلم والله أعلم.
* (لكن الله يشهد بمآ أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا) * وفي الآية مسألتان:
المسألة الأولى: أعلم أن قوله * (لكن) * لا يبتدأ به لأنه استدراك على ما سبق، وفي ذلك المستدرك قولان: الأول: أن هذه الآيات بأسرها جواب عن قوله * (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء) * (النساء: 153) وهذا الكلام يتضمن أن هذا القرآن ليس كتابا نازلا عليهم من السماء فكأنه قيل: إنهم وإن شهدوا بأن القرآن لم ينزل عليه من السماء لكن الله يشهد بأنه نازل عليه من السماء. الثاني: أنه تعالى لما قال * (إنا أوحينا إليك) * (النساء: 163) قال القوم: نحن لا نشهد لك بذلك، فنزل * (لكن الله يشهد) *.
المسألة الثانية: شهادة الله إنما عرفت بسبب أنه أنزل عليه هذا القرآن البالغ في الفصاحة في اللفظ والشرف في المعنى إلى حيث عجز الأولون والآخرون عن معارضته، فكان ذلك معجزا وإظهار المعجزة شهادة بكون المدعي صادقا، ولما كانت شهادته إنما عرفت بواسطة إنزال القرآن لا جرم قال * (لكن الله يشهد بما أنزل إليك) * أي يشهد لك بالنبوة بواسطة هذا القرآن الذي أنزله إليك.
ثم قال تعالى: * (أنزله بعلمه) * وفيه مسألتان: