هذا بالأخبار الكثيرة الواردة في أن المؤمن إذا غسل وجهه خرت خطاياه من وجهه، وكذا القول في يديه ورأسه ورجائه. واعلم أن هذه القاعدة التي قررناها أصل معتبر في مذهب الشافعي رحمه الله، وعليه يخرج كثير من المسائل الخلافية في أبواب الطهارة والله أعلم. أما قوله * (وليتم نعمته عليكم) * ففيه وجهان: الأول: أن الكلام متعلق بما ذكر من أول السورة إلى هنا، وذلك لأنه تعالى أنعم في أول السورة بإباحة الطيبات من المطاعم والمناكح، ثم إنه تعالى ذكر بعده كيفية فرض الوضوء فكأنه قال: إنما ذكرت ذلك لتتم النعمة المذكورة أولا وهي نعمة الدنيا، والنعمة المذكورة ثانيا وهي نعمة الدين. الثاني: أن المراد: وليتم نعمته عليكم أي بالترخص في التيمم والتخفيف في حال السفر والمرض، فاستدلوا بذلك على أنه تعالى يخفف عنكم يوم القيامة بأن يعفو عن ذنوبكم ويتجاوز عن سيئاتكم. ثم قال تعالى: * (لعلكم تشكرون) * والكلام في " لعل " مذكور في أول سورة البقرة في قوله تعالى: * (لعلكم تتقون) * (البقرة: 21) والله أعلم قوله تعالى * (واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذى واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور) *.
إعلم أنه تعالى لما ذكر هذا التكليف أردفه بما يوجب عليهم القبول والانقياد، وذلك من وجهين: الأول: كثرة نعمة الله عليهم، وهو المراد من قوله * (واذكروا نعمة الله عليكم) * ومعلوم أن كثرة النعم توجب على المنعم عليه الاشتغال بخدمة المنعم والانقياد لأوامره ونواهيه وفيه مسألتان: المسألة الأولى: إنما قال * (واذكروا نعمة الله عليكم) * ولم يقل نعم الله عليكم، لأنه ليس المقصود منه التأمل في إعداد نعم الله، بل المقصود منه التأمل في جنس نعم الله لأن هذا الجنس جنس لا يقدر غير الله عليه، فمن الذي يقدر على إعطاء نعمة الحياة والصحة والعقل والهداية والصون عن الآفات والإيصال إلى جميع الخيرات في الدنيا والآخرة، فجنس نعمة الله جنس لا يقدر عليه