غلفا جمع أغلف وهو المتغطى بالغلاف أي بالغطاء، والمعنى على هذا أنهم قالوا قلوبنا في أغطية فهي لا تفقه ما تقولون، نظيره ما حكى الله في قوله * (وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب) * (فصلت: 5).
ثم قال تعالى: * (بل طبع الله عليها بكفرهم) *. فإن حملنا الآية المتقدمة على التأويل الأول كان المراد من هذه الآية أنه تعالى كذبهم في ادعائهم أن قلوبهم أوعية للعلم وبين أنه تعالى طبع عليها وختم عليها فلا يصل أثر الدعوة والبيان إليها، وهذا يليق بمذهبنا، وإن حملنا الآية المتقدمة على التأويل الثاني كان المراد من هذه الآية أنه تعالى كذبهم في ادعائهم أن قلوبهم في الأكنة والأغطية، وهذا يليق بمذهب المعتزلة، إلا أن الوجه الأول أولى، وهو المطابق لقوله * (بل طبع الله عليها بكفرهم) *.
ثم قال: * (فلا يؤمنون إلا قليلا) * أي لا يؤمنون إلا بموسى والتوراة، وهذا إخبار منهم على حسب دعواهم وزعمهم، وإلا فقد بينا أن من يكفر برسول واحد وبمعجزة واحدة فإنه لا يمكنه الإيمان بأحد من الرسل البتة.
* (وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما) *.
وخامسها: قوله: * (وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما) *.
اعلم أنهم لما نسبوا مريم إلى الزنا لإنكارهم قدرة الله تعالى على خلق الولد من دون الأب ومنكر قدرة الله على ذلك كافر لأنه يلزمه أن يقول: كل ولد ولد فهو مسبوق بوالد لا إلى أول، وذلك يوجب القول بقدم العالم والدهر، والقدح في وجود الصانع المختار، فالقوم لا شك أنهم أولا: أنكروا قدرة الله تعالى على خلق الولد من دون الأب، وثانيا: نسبوا مريم إلى الزنا، فالمراد بقوله * (وبكفرهم) * هو إنكارهم قدرة الله تعالى، وبقوله * (وقولهم على مريم بهتانا عظيما) * نسبتهم إياها إلى الزنا، ولما حصل التغير لا جرم حسن العطف، وإنما صار هذا الطعن بهتانا عظيما لأنه ظهر عند ولادة عيسى عليه السلام من الكرامات والمعجزات ما دل على براءتها من كل عيب، نحو قوله * (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا) * (مريم: 25) ونحو كلام عيسى عليه السلام حال كونه طفلا منفصلا عن أمه، فإن كل ذلك دلائل قاطعة على براءة مريم عليها السلام من كل ريبة، فلا