المسألة الأولى: أنه تعالى لما قال: * (يشهد بما أنزل إليك) * بين صفة ذلك الإنزال وهو أنه تعالى أنزله بعلم تام وحكمة بالغة، فصار قوله * (أنزله بعلمه) * جاريا مجرى قول القائل: كتبت بالقلم وقطعت بالسكين، والمراد من قوله * (أنزله بعلمه) * وصف القرآن بغاية الحسن ونهاية الكمال، وهذا مثل ما يقال في الرجل المشهور بكمال الفشل والعلم إذا صنف كتابا واستقصى في تحريره: إنه إنما صنف هذا بكمال علمه وفضله، يعني أنه اتخذ جملة علومه آلة ووسيلة إلى تصنيف هذا الكتاب فيدل ذلك على وصف ذلك التصنيف بغاية الجودة ونهاية الحسن، فكذا ههنا والله أعلم.
المسألة الثانية: قال أصحابنا: دلت الآية على أن لله تعالى علما، وذلك لأنها تدل على إثبات علم الله تعالى، ولو كان علمه نفس ذاته لزم إضافة الشيء إلى نفسه وهو محال.
ثم قال: * (والملائكة يشهدون) * وإنما تعرف شهادة الملائكة له بذلك لأن ظهور المعجز على يده يدل على أنه تعالى شهد به بالنبوة، وإذا شهد الله له بذلك فقد شهدت الملائكة لا محالة بذلك لما ثبت في القرآن أنهم لا يسبقونه بالقول، والمقصود كأنه قيل: يا محمد إن كذبك هؤلاء اليهود فلا تبال بهم فإن الله تعالى وهو إله العالمين يصدقك في ذلك، وملائكة السماوات السبع يصدقونك في ذلك، ومن صدقه رب العالمين وملائكة العرش والكرسي والسماوات السبع أجمعون لم يلتفت إلى تكذيب أخس الناس، وهم هؤلاء اليهود.
ثم قال تعالى: * (وكفى بالله شهيدا) * والمعنى وكفى الله شهيدا، وقد سبق الكلام في مثل هذا.
* (إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا * إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا * إلا طريق جهنم خالدين فيهآ أبدا وكان ذلك على الله يسيرا) * اعلم أن هذا من صفات اليهود الذين تقدم ذكرهم، والمراد أنهم كفروا بمحمد وبالقرآن وصدوا غيرهم عن سبيل الله، وذلك بإلقاء الشبهات في قلوبهم نحو قولهم: لو كان رسولا لأتى