عفو وصفح عن الكفار، ولا شك أنه منسوخ بآية السيف. والقول الثاني: أنه غير منسوخ وعلى هذا القول ففي الآية وجهان: أحدهما: المعنى فاعف عن مذنبهم ولا تؤاخذهم بما سلف منهم، والثاني: أنا إذا حملنا القليل عن الكفار منهم الذين بقوا على الكفر فسرنا هذه الآية بأن المراد منها أمر الله رسوله بأن يعفو عنهم ويصفح عن صغائر زلاتهم ما داموا باقين على العهد، وهو قول أبي مسلم. ثم قال تعالى: * (إن الله يحب المحسنين) * وفيه وجهان: الأول: قال ابن عباس: إذا عفوت فأنت محسن، وإذا كنت محسنا فقد أحبك الله. والثاني: أن المراد بهؤلاء المحسنين هم المعنيون بقوله * (إلا قليلا منهم) * وهم الذين نقضوا عهد الله، والقول الأول أولى لأن صرف قوله * (إن الله يحب المحسنين) * على القول الأول إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه هو المأمور في هذه الآية بالعفو والصفح، وعلى القول الثاني إلى غير الرسول، ولا شك أن الأول أولى.
قوله تعالى * (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضآء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون) * والمراد أن سبيل النصارى مثل سبيل اليهود في نقض المواثيق من عند الله، وإنما قال: * (ومن الذين قالوا إنا نصارى) * ولم يقل: ومن النصارى، وذلك لأنهم إنما سموا أنفسهم بهذا الاسم ادعاء لنصرة الله تعالى، وهم الذين قالوا لعيسى * (نحن أنصار الله) * (آل عمران: 52) فكان هذا الاسم في الحقيقة اسم مدح، فبين الله تعالى أنهم يدعون هذه الصفة ولكنهم ليسوا موصوفين بها عند الله تعالى، وقوله * (أخذنا ميثاقهم) * أي مكتوب في الإنجيل أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وتنكير * (الحظ) * في الآية يدل على أن المراد به حظ واحد، وهو الذي ذكرناه من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، وإنما خص هذا الواحد بالذكر مع أنهم تركوا الكثير مما أمرهم الله تعالى به لأن هدا هو المعظم والمهم، وقوله * (فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء) * أي ألصقنا العداوة والبغضاء بهم، يقال: أغرى