الأرض) * لا يفيد ظاهره إلا كونه تعالى قادرا مالكا لكل ما في السماوات وما في الأرض، ولا يفيد كونه قادرا على ما يكون خارجا عنهما ومغايرا لهما، فلما قال * (وكان الله بكل شيء محيطا) * دل على كونه قادرا على ما لا نهاية له من المقدورات خارجا عن هذه السماوات والأرض، على أن سلسلة القضاء والقدر في جميع الكائنات والممكنات إنما تنقطع بإيجاده وتكوينه وإبداعه، فهذا تقرير هذا القول، إلا أن القول الأول أحسن لما بينا أن الإلهية والوفاء بالوعد إنما يحصل ويكمل بمجموع القدرة والعلم، فلا بد من ذكرهما معا، وإنما قدم ذكر القدرة على ذكر العلم لما ثبت في علم الأصول أن العلم بالله هو العلم بكونه قادرا، ثم بعد العلم بكونه قادرا يعلم كونه عالما لما أن الفعل بحدوثه يدل على القدرة، وبما فيه من الأحكام والإتقان يدل على العلم، ولا شك أن الأول مقدم على الثاني.
* (ويستفتونك فى النسآء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم فى الكتاب فى يتامى النسآء اللاتى لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما) *.
اعلم أن عادة الله في ترتيب هذا الكتاب الكريم وقع على أحسن الوجوه وهو أنه يذكر شيئا من الأحكام ثم يذكر عقيبه آيات كثيرة في الوعد والترغيب والترهيب ويخلط بها آيات دالة على كبرياء الله وجلال قدرته وعظمة إلهيته. ثم يعود مرة أخرى إلى بيان الأحكام، وهذا أحسن أنواع الترتيب وأقربها إلى التأثير في القلوب، لأن التكليف بالأعمال الشاقة لا يقع في موقع القبول إلا إذا كان مقرونا بالوعد والوعيد، والوعد والوعيد لا يؤثر في القلب إلا عند