المسألة الثانية: احتج أصحابنا بهذا الآية على أنه تعالى يخرج من النار من قال " لا إله إلا الله " على سبيل الإخلاص. قالوا: لأنه تعالى جعل هذا المعنى من تهديدات الكفار، وأنواع ما خوفهم به من الوعيد الشديد، ولولا أن هذا لا معنى مختص بالكفار وإلا لم يكن لتخصيص الكفار به معنى والله أعلم. ومما يؤيد هذا الذي قلناه قوله * (ولهم عذاب مقيم) * وهذا يفيد الحصر، فكان المعنى ولهم عذاب مقيم لا لغيرهم، كما أن قوله * (لكم دينكم) * (المائدة: 3) أي لكم لا لغيركم، فكذا ههنا.
قوله تعالى * (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزآء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم) * في اتصال الآية بما قبلها وجهان: الأول: أنه تعالى لما أوجب في الآية المتقدمة قطع الأيد والأرجل عند أخذ المال على سبيل المحاربة، بين في هذه الآية أن أخذ المال على سبيل السرقة يوجب قطع الأيدي والأرجل أيضا، والثاني: أنه لما ذكر تعظيم أمر القتل حيث قال: * (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) * (المائدة: 32) ذكر بعد هذا الجنايات التي تبيح القتل والإيلام، فذكر أولا: قطع الطريق، وثانيا: أمر السرقة، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: أختلف النحويون في الرفع في قوله * (والسارق والسارقة) * على وجوه: الأول: وهو قول سيبويه والأخفش: أن قوله * (والسارق والسارقة) * مرفوعان بالابتداء، والخبر محذوف والتقدير: فيما يتلى عليكم السارق والسارقة، أي حكمهما كذا، وكذا القول في قوله الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما) * (النور: 2) وفي قوله * (واللذان يأتيانها منكم فآذوهما) * (النساء: 16) وقرأ عيسى بن عمر * (والسارق والسارقة) * بالنصب، ومثله * (الزانية والزاني) * والاختيار عند سيبويه النصب في هذا. قال لأن قول القائل: زيدا فاضربه أحسن من قولك: زيد فاضربه، وأيضا لا يجوز أن يكون * (فاقطعوا) * خبر المبتدأ، لأن خبر المبتدأ لا يدخل عليه الفاء.