أعلم أنه تعالى لما بين في الآية المتقدمة حال قصر الصلاة بحسب الكمية في العدد، بين في هذه الآية حالها في الكيفية، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال أبو يوسف والحسن بن زياد: صلاة الخوف كانت خاصة للرسول صلى الله عليه وسلم ولا تجوز لغيره، وقال المزني: كانت ثابتة ثم نسخت. واحتج أبو يوسف على قوله بوجهين: الأول: أن قوله تعالى: * (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) * ظاهره يقتضي أن إقامة هذه الصلاة مشروطة بكون النبي صلى الله عليه وسلم فيهم، لأن كلمة " إذا " تفيد الاشتراط الثاني: أن تغيير هيئة الصلاة أمر على خلاف الدليل، إلا أنا جوزنا ذلك في حق الرسول صلى الله عليه وسلم لتحصل للناس فضيلة الصلاة خلفه، وأما في حق غير الرسول عليه الصلاة والسلام فهذا المعنى غير حاصل، لأن فضيلة الصلاة خلف الثاني كهي خلف الأول، فلا يحتاج هناك إلى تغيير هيئة الصلاة، وأما سائر الفقهاء فقالوا: لما ثبت هدا الحكم في حق النبي صلى الله عليه وسلم بحكم هذه الآية وجب أن يثبت في حق غيره لقوله تعالى: * (واتبعوه) * (الأعراف: 158) ألا ترى أن قوله تعالى: * (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم) * (التوبة: 103) لم يوجب كون الرسول صلى الله عليه وسلم مخصوصا به دون غيره من الأمة بعده، وأما التمسك بإدراك فضيلة الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم فليس يجوز أن يكون علة لإباحة تغيير الصلاة، لأنه لا يجوز أن يكون طلب الفضيلة يوجب ترك الفرض، فاندفع هذا الكلام والله أعلم.
المسألة الثانية: شرح صلاة الخوف هو أن الإمام يجعل القوم طائفتين ويصلي بهم ركعة واحدة، ثم إذا فرغوا من الركعة فكيف يصنعون؟ فيه أقوال: الأول: أن تلك الطائفة يسلمون من الركعة الواحدة ويذهبون إلى وجه العدو، وتأتي الطائفة الأخرى ويصلي بهم الإمام ركعة أخرى ويسلم، وهذا مذهب من يرى أن صلاة الخوف للإمام ركعتان، وللقوم ركعة، وهذا مروي عن ابن عباس وجابر بن عبد الله ومجاهد. الثاني: أن الإمام يصلي بتلك الطائفة ركعتين ويسلم، ثم تذهب تلك الطائفة إلى وجه العدو، وتأتي الطائفة الأخرى فيصلي الإمام بهم مرة أخرى ركعتين، وهذا قول الحسن البصري. الثالث: أن يصلي الإمام مع الطائفة الأولى ركعة تامة، ثم يبقى الإمام قائما في الركعة الثانية إلى أن تصلي هذه الطائفة ركعة أخرى، ويتشهدون ويسلمون ويذهبون إلى وجه العدو، ثم تأتي الطائفة الثانية ويصلون مع الإمام قائما في الركعة الثانية ركعة، ثم يجلس الإمام في التشهد إلى أن تصلي الطائفة الثانية الركعة الثانية، ثم يسلم الإمام بهم، وهذا قول سهل بن أبي حثمة ومذهب الشافعي. الرابع: أن الطائفة الأولى يصلي الإمام بهم ركعة